رواية أربعة في واحد - الفصل 28 - يومٌ طويل

28- يومٌ طويل

هفكركم كل بارت، حطوا vote ولو ناسيين في البارتات التانية ارجعوا حطوا vote ولو ماحدش حط قلبي وصوابع إيدي اللي بكتب بيهم البارت مش راضيين عليه ليوم الدين 😂

رواية أربعة في واحد - الفصل 28 - يومٌ طويل

"هو ده؟" وقفت ابنة خالتها بحانبها ينظران إلى مراد من طرف الشباك فأومأت لها غادة وقالت بغيظ "أيوة هو، مش هسيبه ينتصر عليا، لازم أصوره وأفضحه على النت، عشان يبقى يقف عريان حلو."

علقت ابنة خالتها المراهقة عينيها على مراد، الذي كان يجلس ببنطالٍ جينسي فقط ويضع سيجارة في فمه أثناء تركيز زرقاوتيه على حاسوبه المحمول الموضوع على فخذيه، خصلات شعره الناعمة واقعة على جبهته .. وغادة تريد منها تصويره هكذا وفضحه على الإنترنت؟
"ما بلاش يا غادة، أنا وافقتك عشان افتكرته رجل بكرش واقفلك بشورت أبيض في البلكونة .. بس بالمنظر اللي أنا شايفاه ده يا حبيبتي مش هتبقي بتفضحيه على النت، هتبقي بتشهريه على النت .. البنات هيعاكسوه وهيروحوا يجيبوا الأكاونت بتاعه يا ماما!"
"يعني إيه يعاكسوه! هو مش حلو للدرجة دي عشان يتعاكس أساسا!" سخرت غادة فنظرت لها ابنة خالتها بحاجبين مقطوبين وعلامات الاستفهام تغلف ملامحها، ثم رفعت يدها في وجه غادة وتساءلت بسخرية
"دول كام؟ أنتِ بتشوفي كويس ولا نظرك ضاع ولا إيه؟ الواد قمر! اللي زي ده يتاخد عشان يتحسن بيه النسل."
علقت غادة عينيها على مراد، تابعته جيدًا من أعلى لأسفل، ثم رجعت بعينيها بتردد لابنة خالتها، وبعدها حركت رأسها لمراد من جديد، تجهم وجهها عندما أدركت فجأة أن ابنة خالتها محقة، هي لن تستطيع فضحه على مواقع التواصل الاجتماعي، لو نشرت صورته بهكذا وضع فستشهره ولن تشهر به!
"طب ننتقم منه إزاي؟" تساءلت بغيظ فنظرت لها الأخرى وضحكت ثم قالت "مالوش إلا انتقام واحد، اتجوزيه .. ده أكبر عقاب ممكن بني آدم يتعاقب بيه."
ضربتها غادة في كتفها وزمجرت "لمي نفسك بدل ما أقول لأمك على هيثومة حبيب القلب ها .. اتعدلي."
"لا ما أنا خلاص بعد المنظر ده هفركش مع هيثم، عشان والله إحنا ما شوفنا رجالة نضيفة."
"أنا مش عارفة عاجبكم فيه إيه! ده سافل زي أخوه، ما هو أخوه سافل زيه كده، العيلة دي كلها واضح إنها ماشافتش بربع جنيه تربية."
لمعت أعين الأخرى واقتربت منها بابتسامة خبيثة "هو ليه أخ؟ شبهه كده ولا إيه نظامه؟ عنده كام سنة؟".
ظهر أحمد في الشرفة، رفع مراد رأسه له، تحادثا قليلا وأعطاه مراد سيجارة ثم وقف الآخر يستند على السور ليدخنها بهدوء وهو ينظر نحو اللا مكان، بينما في الشرفة المجاورة وقفت ابنة خالة غادة تنظر له بأعين متوسعة ثم همست لغادة
"لا، أنا كده لازم أشوف أبوهم، عايزين نشكره على الإنتاج العظيم ده."
ردت غادة من تحت أسنانها "أبوهم وهو صغير كان أحلى منهم الإتنين، بس مراد ده واخد عين أبوه الزرقا، أحمد واخد عين أمه، بس هي كمان رموشها طويلة وهو طالع زيها .. وواخدين لونها، الإتنين قمحاويين، بس واخدين طول أبوهم."
"وخلفوا اتنين بس؟ المفروض كانوا يجيبوا ذرية نحسن بيها جينات الكوكب."
أومأت لها غادة وبدأت تقص عليها بأسف "أصل عمو كامل ده عمل حادثة ومن ساعتها وهو قعيد، ساعتها أحمد ده كان صغير، بس مراد كان كبير شوية .. كان طالب في كلية الهندسة قسم الميكانيكا، ماما بتقولي إن عدت عليهم أيام سودة من بعد حادثة عمو كامل، وإنهم حتى كانوا هيعزلوا من هنا ويروحوا بيتهم القديم اللي في منطقة شعبية لأنهم ماكانوش عارفين يدفعوا الإيجار ولا حتى لاقيين فلوس للأكل والشرب، عشان فلوسهم راحت على العمليات بتاعة عمو كامل، بس مراد ده نزل اشتغل ميكانيكي في ورشة عم سيد اللي على ناصية الشارع، لحد ما خلص كليته، وبعدين جاتله فرصة يعمل ماجيستير في ألمانيا، سافر .. ومن ساعتها وهو هناك، وأخوه لما كبر دخل قسم ميكانيكا زيه، واضح إنه بيحبه وواخده مثل أعلى."
أومأت لها الأخرى ثم نظرت لمراد بحزن ورجعت بعينيها لها "خلاص ماتتجوزيهوش يا غادة، صعب عليا، مايستاهلش يجراله كده."
بالرغم من ضيق غادة مما قالته ألا إنها علقت عينيها على وجه مراد، الذي يضع كامل تركيزه على حاسوبه منذ جلس هنا، لا يتصفح مواقع التواصل الإجتماعي، لديها إحساس عميق بأنه لا يفعل، بل يعمل كما اعتاد أن يعمل منذ أن كان في الجامعة .. تذكرت أباها العاطل الذي هرب وتركها هي ووالدتها بلا مُعيل والذي بسببه قد فقدت الثقة في جميع الرجال، وأضمرت لهم الحقد والكراهية، وعملت جاهدة على جعل نفسها لا تحتاج لرجلٍ قط في حياتها، اجتهدت في حياتها حتى أصبحت محاسبة في بنكٍ معروف ... لكنها ورغم هذا ما زالت فاقدة للثقة والأمان.
ربما مراد بقصته البطولية الصغيرة تلك قد جعلت معتقدها يتزعزع قليلا من مكانه، وبدأت تشكك في أن ليس جميع الرجال مثل أبيها؛ فالبعض سيترك عشه الدافئ وكرامته ومظهره الإجتماعي وينزل ليعمل في ورشة ميكانيكا كي يُعيل أسرته التي على شفا الإنهيار، ولا شك أن أحمد شقيقه الصغير يعتبره مثلًا يحتذي به؛ فلو كانت هي من ضمن تلك الأسرة لأعتبرته مثلا أعلى لها.
انتبهت على ابنة خالته تسحبها من يدها بسرعة وتغلق الستارة، لم تفهم غادة ما يحدث فضحكت الأخرى وهي تضع يدها على قلبها "اللي اسمه مراد ده كان بيبص ناحيتنا، يا رب ما يكون شافنا."
توسعت أعين غادة ثم نفت برأسها "لا، أكيد ما شافناش إن شاء الله.".
بينما في الشرفة المقابلة أنهى أحمد سيجارته واستدار لمراد ساخرا "اومال الشيخة ما طلعتش النهاردة تتخانق يعني؟"
فضحك الآخر وأجاب "يا ابني دي واقفة بقالها ساعة هي وواحدة تانية يبصوا من ورا الستارة، كان شكلهم عبيط أوي يعني."
"وأنت بتشتغل ولا واخد بالك منهم يا حويط؟"
أغلق مراد حاسوبه وقال بثقة وهو يكتف ذراعيه أمام صدره "الإتنين."
ضحك الآخر وكان على وشك التحدث لكن صوت رنين هاتفه قاطعه، أخرجه من جيبه فوجد اسمى سلمى يضيء الشاشة، استأذن من أخيه وترجل إلى غرفته وأغلق الباب خلفه ثم فتح المكالمة بابتسامة واسعة مرحبًا بها "ازيك يا حبيبتي؟"
لكنه صُدم من نبرة صوتها المتحشرجة بالبكاء "حبيبتك؟"
خفتت ابتسامته وتوترت ملامح وجهه "مالك يا سلمى؟ أنتِ معيطة؟"
سمع صوت بكاءً عاليًا قادمًا منها فهلع ونطق باندفاع "حبيبتي، مالك؟ فيكِ حاجة؟ طب أنتِ فين؟"
"لما أنا حبيبتك وبتخاف عليا، بتخوني ليه؟" جاء صوتها ضعيفًا فتصنم في مكانه وبدأ تنفسه يثقل، صوب نظراته نحو اللا مكان ولم يمتلك شيئًا ليقوله.، من أين قد عرفت؟ ولماذا الآن!
"كنت فاكرني مش هعرف؟ أديني عرفت .. أنا بس مش عارفة أنا عملتلك إيه عشان تخوني؟" أكملت بكائها وشعر بالغصة تعتلي صدره وأخفض رأسه وكأنه يهرب من عينيها رغم كونها ليست أمامه.
"لا ومش مع واحدة بس، مع أربعة! أنا كنت بالنسبالك لعبة؟ بتلعب بمشاعري؟"
"حبيبتي والله بحبك، وعمري ما شوفتك لعبة .. سلمى .. أنا آسف والله ما هتتكرر، سامحيني المرة دي .." أردف باندفاع وهو يرفع يده ليشد خصلات شعره للخلف أثناء قضمه لجلد شفتيه بتوتر .. لم يسبق له أن شعر بكل هذا الخوف قط! الأمر بدى له وكأنه كابوسًا لا يستطيع تصديقه، لا يريد سلمى أن تنفصل عنه .. لا ..
"طب ليه خونتني؟ طب أنا عملت معاك إيه وحش؟ أنا مش قادرة أصدق لحد دلوقتي إنك عملت كده! ده أنت قايلي هتيجي تقابل بابا بعد الامتحانات!" همست وهي تشهق من بين بكائها، بدت مفطورة من البكاء كالطفلة الصغيرة وكان سيهم بالتحدث لكنه سمع صوت الهاتف يسقط وصوت ارتطام شيئًا آخر في الأرض
تملك منه الرعب وصرخ "سلمى؟ سلمى أنتِ كويسة؟ والله مش هعمل كده تاني .. حبيبتي .. والله بحبك .."
لكن صوتًا أنثويًا آخر ينتمي لشقيقتها هو من أجابه "ما تتصلش تاني هنا، ولا تحاول تقابلها، أنت أقذر إنسان شوفته في حياتي، إزاي عارف إنها مريضة وبتموت وتسمح لنفسك كمان إنك تلعب بيها؟"
توسعت عينيه وجف حلقه وشعر بعقله يتشوش وكرر بدون فهم "مريضة؟ مريضة إزاي؟ يعني إيه بتموت؟"
لكنه وجد المكالمة تنغلق في وجهه فهرع ليتصل بالرقم من جديد بأيدٍ مرتعشة، لكنها لم تجبه، فآثر إكمال اتصالاته حتى وصل للمكالمة التاسعة عشر وحينها وجدها تجيب
"أنا مش قولتلك ماتتصلش هنا تاني؟"
"يعني أيه بتموت وفين سلمى؟" صرخ فيها فسخرت "يعني مش عارف إن عندها لوكيميا وإنها بدأت تتعالج منه من قريب؟"
تصلب جسده وسرت قشعريرة من قلبه مرورًا بكامل أوصاله وتمتم بدون تصديق وبتقطع وقد بدأت الدموع تتكون في عينيه "يعني إيه؟ يعني إيه سرطان دم ويعني إيه بتموت؟ أنا ... أنا ماكنتش أعرف ... ليه ماقالتليش؟ .. أنا .. والله ما كنت أعرف! ماكنتش أعرف!!"
وجد المكالمة تنغلق في وجهه فسارع بالاتصال مجددًا ولم ينتبه للدمعة التي هربت من عينه، وجد الهاتف مغلق فتملك منه حالة يأس وإنكار لكل شيء وهرع للخارج وهو يلتقط محفظته.
في ظرف ساعة كان أمام منزلها، ولقد فقد عقله لدرجة أنه تجرأ على الصعود والضغط على الجرس، لكن الباب لم يُفتح، هربت منه آخر ذرة صبر وبدأ يطرق على الباب بعنف فوجد حارس العقار خلف ظهره متكلمًا
"مش موجودين يا بيه، مع الست الصغيرة في المستشفى والبيه في شغله."
استدار له أحمد وهو يبتلع لعابه ويرفع يده ليمسح على عينيه وحاول إخراج نبرة طبيعية لكنه فشل وخرجت مهزوزة "فين .. فين عنوان المستشفى دي؟".
وصل للمشفى الذي وصفه له حارس العقار، سأل موظفة الاستقبال عن غرفة سلمى حافظ فأخبرته بأنها قد نُقلت للعناية المركزة منذ النصف ساعة بعد أن فقدت وعيها وتباطئت نبضات قلبها أثناء أخذ جرعة الكيماوي.
كاد يفقد وعيه وامتلئت عيناه بالدموع ثم تبع الممرضة وهو ينظر للأسفل لا يقوى على رفع رأسه من خزيه الذي يشعر به، أثناء ذلك أخبرته الممرضة بأن حالتها تزداد سوءً لأنها اكتشفت المرض متأخرًا جدًا كم أنها اشتباه بجلطة في القلب، جلطة في القلب كان مصدرها هو؟ لوهلة شعر بساقيه تعجزان حمله ورغب بإلقاء نفسه من شرفة هذا المبنى فيسقط جسده صريعًا ويتوقف ذلك الألم في قلبه.
وصل للعناية حيث تركته الممرضة ورحلت، اقترب من الزجاج حيث رآها ترقد شاحبة الوجه على ذلك السرير تمامًا كالأموات والأجهزة موصلةً بجسدها، عروق جسدها ظاهرة زرقاء من أسفل بشرتها الباهتة، شعر حاجبيها واقعًا وهو متأكد من أن شعرها قد وقع كذلك رغم أن حجابها الأبيض يغطيه .. الآن يفهم سر تهربها منه في الفترة السابقة، التزامها المفاجئ، سعالها المتكرر .. التصاقها به أكثر والتلهف لمكالماته ومحادثاته، تكرريها على مسامعه بأنها تحبه وأنه يعطيها دافعًا للبقاء ... كم كان غبيًا عندما لم يشك في كلماتها تلك! لأنه كان مشغولًا بخيانتها نعم ..
بدأت دموعه تنهمر وهو يهمس لها "أنا آسف، سلمى ..."
فوجئ بشقيقتها تشده من سترته بعيدًا وهي تصرخ في وجهه "أنت إيه اللي جابك يا حيوان؟ دلوقتي زعلان عليها؟ أنا بكرهك، أنت السبب ... أنت اللي خليتها تاخد جرعة الكيماوي وهي منهارة، منك لله، ربنا ينتقم منك."
كان سيتحدث لكنهما وجدا صوت صفير عالٍ يأتي من الجهاز الموصل بجسد سلمى فتصلب كلاهما بدون استيعاب لينظران إلى الداخل حيث وجدا بعض الأطباء والممرضات يهرولون لداخل الغرفة
كانت نبضات قلبها تتباطئ بشكلٍ خطير، فقدت والدتها وعيها وهي ترى الأطباء يضربون جسد ابنتها بالكثير من الشحنات الكهربية لإنعاش قلبها لكن الجهاز ما زال يصدر ذلك الصفير العالي الذي يدل على أن محاولاتهم تبوء بالفشل
توقف الزمن عند أحمد الذي لم يجفل بعينيه المتحجرة بالدموع وهو يرى الجهاز يرسم خط مستقيم والأطباء يخفضون رؤوسهم بحزن والممرضات ينظرن لبعضهن بأسف.
كانت دموعه تتساقط من عينيه فقط وكأنه كالنائم يرى كابوسًا ولا يستطيع الخروج منه، اخترقت أذنيه صرخة شقيقتها التي قد بدأت تنتحب باسمها لكن حتى تلك الصرخة العالية لم تستطع إفاقته.
راقب الممرضة تشد الغطاء على وجهها فاقترب بسرعة من الزجاج وهو يحاول رؤية ملامحها لآخر مرة رغم أن الرؤية كانت مشوشة بالنسبة له والدموع تغلف مقلتيه لتمنعه من رؤية سوى صورًا مهتزة، غير واضحة.
"سلمى .." همس وهو يلصق يديه بالزجاج وكأنه يتلمسها وفقد كامل عقله عندما أنتهت الممرضة من تغطية كل جسدها ووجهها بذلك الغطاء، ثم خرجت تنظر لهم وتتمتم بأسف "البقاء لله."
وحينها فقط تخلى عن إنكاره وضربه الألم كما لم يشعر من قبل، الخزي والندم والعار قد اجتمعوا عليه ليوقظوا ضميره الذي مات كي ينهض ويعطيه من العذاب ما يستحق، ولم يعترض هو على ذلك الوجع، بل رحب به وسمح له بإيلامه أكثر، لأنه أبدًا لن يستطيع الغفران لنفسه، وهو أبدًا لن ينسى ما قد فعل بسلمى، استسلم تمامًا لشعوره بالحقارة والوضاعة، ولشعوره بجرحٍ عميقٍ يرتسم بسكينٍ وهمي داخل قلبه، كان يعرف في تلك اللحظة بأن ذلك الجرح لن يُشفى قط، كما أن صورة سلمى بشحوبها وهزالة جسدها لن تُمحى عن عقله قط، مرت عليه تلك السنتان الاتي أمضاهما مع سلمى، مقابلتهما، ضحكهما .. ابتسامتها الخجولة الصادقة، صفعها ليده عندما يحاول الإمساك بيدها وتذمرها الطفولي عندما يخبرها بشيء يُخجلها، ومرت عليه أيضًا صور لخياناته المتكررة لها مع فتيات ربما لن يتذكر اسمائهم حتى ..
كانت دموعه قد أغرقت وجهه دون أن يشعر ودون أن يجفل بعينيه لمرة واحدة، حتى استقرت صورتها بذلك الحجاب والملابس الواسعة في آخر مرة قد رآها، كم كانت بريئة وصافية، شفتيها اللاتي منحاه ابتسامة بريئة هو لا يستحقها، فأغمض عيناه وخارت قواه ثم سقط أرضًا يكوب وجهه بين يداه وانفجر باكيًا كطفلٍ صغير قد عاد إلى منزله ليصالح أمه التي أغضبها فوجدها ميتة.
كان قد حل الليل عندما حاول هشام النوم، لكن صوت بكاءً عاليًا أرق منامه وجعله يعتدل في سريره ويجعد جبينه بضيق، ثم التقط نظارته ونهض متتبعًا الصوت الذي وجده قادمًا من غرفة شقيقته.
دخل عليها ليجدها منهارة في البكاء وصوت شهيقها يصل للحي الآخر، هرع نحوها ليجلس بجانبها وسأل بثقة "قيس صح؟"
أومأت وهي تهمس من بين نحيبها "الحيوان قليل الأدب."
اشتعل الجنون في رأس هشام وبدأ جسده يغلي ونهض يصرخ عليها "عملك ايه السافل؟ أنا كنت عارف من الأول إنه قذر ونسوانج..." قاطعته ليلى بشهقيها
"تخيل السافل بيسألني عن شكل ولون ..." قاطعها هشام وهو ينطق من تحت أسنانه "شكل ولون! بس خلاص ماتقوليش .. عرفت."
"ده أنا هخلي ليلة أهله سودة .. حلو، أنا كنت عارف إنه مش هيعرف يمثل إنه محترم كتير،" قال وهو يرفع أكمام سترته وكأنه على استعداد للقتال لكنه وجدها تكمل
"شكل ولون شعري .."
توقفت الكلمات في حلق هشام وعلت ملامح الصدمة على وجهه ونظر لأخته بريبة وكرر "لون شعرك؟!"
أومأت له وهي تمسح عينيها بظهر يدها فسأل ليتأكد "لون شعرك متأكدة؟"
"آه تخيل!"
"متخيل آه ... !"
"ولما رفضت أقوله أتقمص واتخانق معايا وقالي إني خنيقة! وهو أصلًا اللي سافل وحيوان وأنا مش عايزة أتكلم."
قطب هشام جبينه ولم يتكلم ليفاجئ بأخته تنهض له "هشام أنت لازم تتصل بيه دلوقتي وتهزقه وتقوله إن بنات الناس مش لعبة وإن أنا من عيلة محترمة مالهاش في المسخرة دي، وإنه زودها معايا وأنا مش هسكتله بعد كده، وأنه لو ما لمش نفسه معايا هفضحه."
ربت على كتفيها وأومأ "طبعًا، أنا هروح اتصل بيه دلوقتي وأهزقه المتخلف ده، ماتقلقيش أنتِ بس وبطلي عياط."
ثم تحرك نحو غرفته وأخرج هاتفه طالبًا رقم قيس وفور إجابته زمجر
"ولا، أنت مزعل أختي ليه؟ وشكل ولون شعر إيه اللي بتسألها عليهم؟ أنت مال أهلك أنت ومال لون شعرها؟"
"أختك خنيقة!" تذمر قيس
"إحنا عيلة معقدة يا عم، مش عاجبك تعالى خد شبكتك وفركش الجوازة وأهو نفض الشبكة السودة دي."
"لا، مش هنولك مرادك برضه والجوازة دي هتكمل."
قلب هشام عينيه وهمس من تحت أسنانه "أيًا كان، بعد إذنك روح صالحها أنا مش عارف أنام من صوت عياطها، ماتقرفونيش!"
"ماشي .." كان سيغلق الهاتف لكن هشام حذره "وآخرك معايا لون الشعر، لو عرفت إنك سألتها على لون أي حاجة تانية هقطعك قسمًا بالله."
كان سيغلق المكالمة لكن هشام تكلم من جديد "وقسمًا عظمًا، لو حاولت تعدي حدودك مع أختي لهرتكب فيك جناية، أنا بحذرك أهو .. أنا معديلك حاجات بمزاجي، بس لو اشتكتلي منك تاني اعتبر الجوازة دي ملغية، وخاف على سونيا، عشان هطلعلك ميتين أبوها."
ابتلع قيس لعابه عندما أغلق هشام المكالمة في وجهه ونظر للهاتف بتوتر، ما الذي قالته ليلى لهشام بالضبط؟ لقد بدأ يقلق من أن تخبره الفتاة بشأن ما اشتراه لها! أو بشأن محاولته في لمس يدها ..
سارع بالاتصال بليلى، أجابته بنبرة باكية، ارتفعت ضربات قلبه وجف حلقه، ثم تمتم "إيه يا ليلى، هو أنتِ أي حاجة هتحصل بينا هتقولي لهشام؟"
"اسمع، أنت قاعد تضايقني وأنا زهقت، ماشي؟ أنا مش بتاعة الكلام ده وعمر ما حد أتعامل معايا كده! وبالنسبة للهدية بتاعتك فوالله ماما منعتني بالعافية عن إني أرميها في وشك."
"يا ليلى دي ماما هي اللي جايباه، قالتلي إنها كانت بتشتري حاجات لبلقيس وشافته وعجبها، وأنا أصلًا ماشوفتوش! وبعدين هو أنا كنت قولتلك البسيه ولا جيبتلك سيرته؟ أنا مش قصدي أضايقك والله!"
صمتت فأكمل "وفيها ايه يعني لما أجيبلك حاجات تشيليها في جهازك؟ أصلًا المفروض العريس هو اللي يجيب كل حاجة، أنا بحاول أساعد عمو .."
"لا شكرًا، أنا هدومي خلصانة."
فوجئت به يحمحم "طب جيبتِ عبايات سودة من اللي هي ضيقة وستان دي؟"
توسعت عينيها وسقط فكها ثم رفعت يدها تسحب شعرها للخلف وهي تزمجر "أنت واضح إن مافيش فايدة فيك، اقفل عشان والله كلمة كمان وهروح أقول لهشام، وبالمناسبة أنا مش هخرج معاك تاني، عايز تشوفني يبقى في بيتي، سلام."
أغلقت المكالمة ورمت الهاتف على سريرها ثم ضمت ركبتيها لصدرها ونظرت أمامها بتيه، تتركه وتكون المرة الثانية التي تفسخ فيها خطبتها؟ أم تصر على موقفها وتضعه عند حده؟ .. لكنها بدأت تكن له المشاعر رغمًا عنها، حسنًا هو سافل حقًا لكنه طيب القلب ويعاملها بطريقة جيدة .. لكن ماذا تفعل في إسلوبه الغير مهذب هذا؟
نظرت لهاتفها عندما ظهرت رسالته على الشاشة [طب أجيبلك بيبي ليس؟]
ارتسمت ابتسامة رغمًا عنها على شفتيها وخبئت وجهها بين ذراعيها، لوهلة بدى لها مجرد غبي يريد شراء هدايا لخطيبته لكن بسبب كونه غبي فإنه يختار أشياءً مريبة.
[طب اعمليلي لستة بنوع الهدايا اللي مش هتضايقك.] رسالة أخرى جائت منه جعلتها تلتقط هاتفها بهدوء وتفتح المحادثة بينهما
[قيس، أنا مش محتاجة هدايا.]
قطب الآخر جبينه بدون فهم وهو ينظر لتلك الحروف، كان عقله مشوشًا بشدة؛ فمعظم الفتيات اللاتي ارتبط بهن كُن يطلبن منه أشياءً وهدايا كثيرة بدون أي إحراج، حتى ظن أنه السبيل لقلب أية فتاة .. أن يغرقها بهداياه الغالية تلك!
[طب محتاجة إيه؟]
[محتاجة إنك تفهمني، وتعرف إنك بتتعامل معايا بطريقة غلط.]
صمت وهو ينظر لتلك الرسالة، جبينه مقطوب بشدة .. حسنًا، لن ينكر أن ما تطلبه ليلى أصعب من الهدايا الغالية التي يشتريها، خصوصًا وهو حقًا لم يكن في علاقة شبيهة بتلك من قبل، الفتيات اللاتي كان يرتبط بهن، كن جميعهن من نوعٍ واحدٍ، وهو النوع المضاد لليلى تمامًا، في العقل والمظهر والإسلوب والتربية .. هل يتعامل معها بطريقة خاطئة حقًا مثلما تظن؟ وماذا لو نفرت منه؟
انقبض صدره على ذكر تلك السيرة، ونفى برأسه رافضًا فكرة أنها ستكرهه؛ فهو لا يريد هذا، يريدها أن تحبه لانه بالفعل يحبها ولم يتصور أن يقرر الزواج يومًا، لكنه فعل عندما تخيل حياتهما الدافئة البسيطة سويًا بعيدًا عن بنات الوسط الاجتماعي الذي ينتمي إليه.
لم يستطع إخراج تلك الأفكار عن عقله وكعادته عندما يريد أن يهرب من أفكاره فإنه نهض متوجهًا للحديقة حيث قبع كيس ملاكمته متعلقًا في شجرة كبيرة وبجانبها صندوق يحوي قفازاته وأشياءه التي يحتاجها، خلع عنه سترته وألقاها أرضًا ثم وقف يلف الرباط على كفيه وأرتدى قفازيه ثم أنهال على كيس الملاكمة باللكمات.
كانت داليا تقف في شرفتها تدخن سيجارة بهدوء عندما خرج لها أدهم من باب شرفته وهو يحمل حاسوبه ويقول باندفاع متحمسًا "داليا، لسه محمل حتة فيلم هيعجبك جدًا، تعالي نتفرج عليه سوا."
لكنه فوجئ بداليا تشيح بوجهها عنه وتجيب بطريقة باردة "مش عايزة."
توقف في مكانه وعقد حاجبيه وطالعها بدون فهم "مالك؟"
استدارت له وسخرت "اسأل جدتك، ولو سمحت ماتكلمنيش تاني، اعتبرني هوا واقف في البلكونة."
توترت ملامحه ووضع حاسوبه على الطاولة ثم استقام واقترب منها "جدتي عملت إيه؟"
"عملت اللي عملته، بس عمومًا أنا مش عايزة الصحوبية دي تاني، ما دام أنت عيل صغير وجدتك خايفة إني أضحك عليك .. أنا مابكلمش عيال،" قالت وهي تلقي له بنظرة مخذولة وغاضبة تخفي بها حزنها ويأسها الواضحان
ثم رمت بسيجارتها وتحركت لداخل غرفتها وتركته واقفًا ينظر إلى مكانها الفارغ، شعر بالضيق يعتلي صدره وغصة توقفت في حلقه تمنعه عن بلع لعابه حتى، أخفض رأسه نحو حاسوبه، ثم رجع بعينيه لشرفتها، لماذا فعلت جدته هذا؟
جلس على كرسيه ورفع ركبتيه ليحتضنهما بذراعيه وأسند رأسه عليهما، ثم نظر لمكانها من جديد، كلمات داليا ما زالت ترن في عقله، هي لا تريد مصادقة طفلًا صغيرًا .. تظنه طفلًا صغيرًا وليس برجلٍ ..
ابتسم بسخرية وهو يحرك عينيه نحو السماء، جميعهم يظنونه نفس الطفل، هو يعرف بهذا .. لكن لا يعرف لماذا؟ فقط لكونه هادئ ومسالم ولا يريد أذية أحد يعتبرونه طفلًا؟ هل الرجولة هي أن يتحرك هنا وهناك وهو يلقي بالشتائم ويتعامل بإسلوبٍ غير مهذب؟
نهض عن كرسيه وتوجه للداخل باندفاع، تحرك نحو الصالة حيث وجد جدته تجلس أمام التلفاز وتتابع إحدى مسلسلاتها المفضلة وكأنها لم تفعل أي شيءٍ على الإطلاق، شد سلك التلفاز ليطفئه ثم وقف أمامها فرفعت عينيها له "بتقفله ليه؟"
"وأنتِ قولتِ إيه لداليا؟ أنتِ مش كلمتيني وأنا قولتلك إني بعتبرها زي أختي؟ إيه لازمتها تسمعيها كلام مالوش لازمة؟"
"يا ابني أنت ماتعرفش، اللي زي داليا دول بيبقوا عايزين يشبطوا في أي رجل وخلاص، وأنت غلبان يا قلب أمك وممكن تضحك عليك."
اشتعلت الدماء في رأسه وبدأت عروق جسده تنفر في رقبته وصاح "إيه تضحك عليا دي؟ أنتِ شايفاني عيل صغير مش عارف هو بيعمل إيه؟ وبعدين لو سمحتِ ماتغلطيش فيها .. داليا ماكانتش عايزة تكلمني أصلا وأنا اللي حاولت أكلمها! ليه قولتلها كده؟ أنتِ أساسا ماتعرفيش أي حاجة عنها عشان تفترضي إنها بتدور على رجل، داليا لو عايزة أي رجل فأحمد كان بيتنطط قدامها زي الأراجوز عشان توافق عليه، أنتِ فاكراه كان بييجي هنا كل شوية ليه؟"
صدمت جدته كثيرًا من طريقته تلك ونهضت له بأعين غاضبة وهي تتكئ على عكازها "أنت بترفع صوتك عليا يا ولد وبتقول إنك مش عيل؟ طب إيه رأيك بقى إنك عيل وماتعرفش أي حاجة في أي حاجة، وهتتجوز شيري غصبًا عنك، وداليا دي لو شوفتها تاني ههزقها، ووريني بقى هتعمل إيه؟"
ألقى إليها بنظرة قاتلة ثم هرول نحو غرفته باندفاع وهو يصيح "طب تمام، أنا هعرفك أنا عيل ولا مش عيل."
ثم فتح خزانته والتقط حقيبته وبدأ يلملم بعض ثيابه وكتبه ووضعهم بعشوائية بداخلها، ترجلت جدته خلفه لترى ماذا يفعل وفوجئت به يغلق حقيبته ويضعها على كتفه ويلتقط حاسوبه وهاتفه
"أنت بتعمل إيه؟" تساءلت بخوف فسخر وهو يمر من جانبها "سايبهالك، أنا معايا ورث بابا وماما أصلًا ومش محتاجكم في حاجة."
حاولت التمسك بحقيبته وتهديده "لو خرجت من باب الشقة والله لهكون متصلة بجدك، ماتفتكرش عشان هو مسافر مش هيجيبك."
شد الحقيبة ورمقها بنظرة كارهة لأول مرة ثم زمجر "قوليله، خليه يحبسني، حلو كده؟"
ثم هرول نحو الباب وفتحه وخرج دون أن يعطيها أية فرصة للتحدث أو الرد.

__________________________________
توقعاتكم إيه؟ (عشان أعمل عكسها) .. بهزر 😂🤣
النونة بتاعتنا بدأت تتمرد 😂
ليلى هتسكت لقيس ولا هتفضحه فعلا لو ما لمش نفسه؟
تفتكروا أحمد هيجراله إيه؟
النونة بتاعتنا بدأت تتمرد تاني ❤️😂
Admin
Admin