رواية أربعة في واحد - الفصل 29 - استفاقة

 29- استفاقة

وحشتوني ❤️😂
رواية أربعة في واحد - الفصل 29 - استفاقة

وقف أحمد بعيدًا، بجانب تلك المقبرة التي تبعد عن مقبرة عائلة حافظ بمقبرتين، يتابع بعينيه النعش الذي يحمل جسدها الصغير بداخله، كانت الدموع تهطل من عينيه بلا توقف، يسمع همهمات الرجال مرددين "إنا لله وإنا إله راجعون." ولا يصدق أن هذه الكلمات التي تخترق أذنه تُقال لحبيبته الراحلة!
خبط جبهته بالحائط الذي يستند عليه، الدمع في عينيه لا يكفيه، شعر بقلبه يبكي كذلك ولم يستطع فعل شيء سوى القرفصة أرضًا وتخبئة وجهه بيديه، ود لو يغمض عينيه الآن ويفتحهما ويكون قد رحل عن الحياة لاحقًا بها فقط ليخبرها بأنه آسف .. على كل شيء فعله.
بعد مدة انفض الجمع وأغلقوا المقبرة، وقف أبيها وأعمامها يدعون لها، ثم استند أبيها إلى أحد إخوته وتحركوا نحو السيارات.
نهض أحمد يمسح عينيه بظهر يديه بعد أن عم الصمت، وتحرك بساقين مرتعشتين إلى تلك المقبرة التي تضم جسدها، اعترض طريقه حارس المقابر، نظر لوجه أحمد البائس الذي بدأ يتمتم بعبارات مترجية متقطعة جعلت قلبه يرق قليلًا لكنه لم يسمح له بالعبور قبل أن يعطيه ورقة نقدية من فئة الخمسون جنيهًا.
ترجل ببطء نحو مدفنها، كانت دموعه تزداد كلما اقترب، وعندما وصل كانت رؤيته معدومة ولا يرى سوى الماء يغلف عينيه، نظر للأسفل لزاوية أخرى وكأنه خجلًا من النظر إلى مكانها، خارت قواه وجلس أمام ذلك التراب يكمل بكاءه الذي همس ب "آسف." كثيرًا أثناءه.
لا يعرف ما الذي يفعله هنا، يطلب السماح؟ لا. فهو لا يستطيع حتى مسامحة نفسه، لكنه لم يكن يود الرحيل وتركها بمفردها، كانت صورتها تتمثل أمامه باستمرار، لا تدعه يغمض عينيه، لا يستطيع إخراجها من عقله، لم يستطع النوم منذ البارحة، ولا يظن أنه سيغمض عينيه من جديد دون أن تظهر سلمى في عقله لتعذبه وتذكره بفعلته الحقيرة.
بالأمس دخل في مرحلة الإنكار حيث رفض تصديق أنها قد رحلت وبدأ كالمجنون يتصل برقمها متمنيًا أن تجيب ليخبرها بكم أنه آسف، ونادم ويترجاها بأنه أبدًا لن يفعل تلك الفعلة مجددًا، لن يرفع عينيه في فتاة أخرى حتى .. سيبقى مخلصًا مهما حدث، لكن هاتفها كان مغلقًا طوال الليل، ولم يمتلك سوى ذلك المقطع المصور الذي صوره لها على عفلةً منها، عندما كانت تأكل الآيس كريم وقد تلطخت شفتيها وأنفها فمد يده بمنديل يمسحه لها، وعندما اكتشفت أنه يصورها كانت قد ضحكت وصفعت يده ... أعاده مرارًا وتكرارًا وهو ينظر لوجهها وينتحب.
جاءه حارس المقابر يحثه على النهوض فنهض مرغمًا، ولقد أشفق عليه الحارس لدرجة أنه مد يده ليساعده على الخروج، فرحل مخفضًا الرأس هائمًا على وجهه لا يعرف أين يذهب.
كان أدهم قد بات ليلته في نُزل قريب وعندما حل الصباح وفتح عينيه، اعتدل في جلسته وأمسك بهاتفه يفتحه بعد أن أغلقه طوال الليل كي لا يستقبل مكالمات جده، أخرج رقم أحمد كأول شخص، لكنه تذكر شجاره معه وأنهما لا يتكلمان منذ أن لكمه ولم يرد الآخر له اللكمة، فربما لو فعل لكانا متعادلان الآن.
لم يملك سوى الاتصال بقيس، حكى له ما حدث ولم ينتظر الآخر أن ينهي أدهم كلامه حتى قاطعه "أنا قاعد في شقة الزمالك من إمبارح عشان متخانق مع ماما أنا كمان، مستنيك، تعالى.".
بعد فترة كان أدهم يترجل لداخل شقة قيس والآخر يرحب به بابتسامة واسعة "أنت وقعتلي من السما أنا زهقان أساسًا، ومش عايز أقعد لوحدي."
رسم أدهم ابتسامة مزيفة على وجهه وهو يلقي بحقيبته على سرير قيس ورفع رأسه له فور دخوله للغرفة، ثم سأل بتردد "قيس .. هو أنا عيل؟"
شبك الآخر ذراعيه أمام صدره وهو يستند بظهره على زاوية الباب "مين قالك كده؟"
"كتير!" سخر وهو يبتلع لعابه بضيق وأخفض رأسه للأسفل
"لا يا اسطا مش عيل، بس فيه ناس مابينفعش معاهم غير قلة الأدب، نص الشعب ماشي بالبلطجة وعايز اللي يبلطج عليه."
"يعني لازم أكون بلطجي وقليل الأدب؟"
ضحك قيس وتقدم ليجلس بجانبه "مش لازم قليل الأدب، بس تبقى ناشف وبلطجي شويتين، وبص .. خلاص أنت قاعد معايا، يعني خاف على نفسك، مش بعيد بعد أسبوعين تنزل تثبت الناس في الشارع."
ضحك رغمًا عنه وأومأ فأكمل الآخر وهو يرجع بظهره إلى السرير "تعالى نعمل اتفاق .. أنت تعلمني الأدب وأنا أعلمك قلة الأدب؟"
نظر له أدهم بدون فهم فشرح له قيس "ليلى .. البت قربت تطفش مني ... أنا مش ببقى قاصد إني أضايقها وأقل أدبي معاها، الموضوع بيطلع غصب عني!"
صمت أدهم قليلا وكأنه يقلب الموضوع في رأسه محاولا إيجاد حل ثم رجع بعينيه لقيس "أنت عملتلها إيه بالظبط؟"
رفع كتفيه وسارع بالتحدث مندفعًا وكأنه يدافع عن نفسه "والله ما لحقت أعملها حاجة!"
ضيق أدهم عينيه وكأنه لا يصدق ثم نهض يخلع سترته وهو يسخر "خد بالك بس من هشام، عشان هشام غبي ما بيشوفش قدامه، وقوم وريني الحمام عايز آخد دش.".
وبذكر هشام .. فلقد كان الفتى يجلس وحيدًا في تلك المحاضرة ينظر يمينًا ويسارًا بتشتت بحثًا عن أي فردٍ من الثلاثة الذين قرروا الغياب جميعًا فجأة دون إخباره!
"هشام، أنا كنت بقول إيه؟" صاح الدكتور في مكبر الصوت فنهض الآخر بتوتر ولأول مرة هو ليس لديه أدنى فكرة عما كان يقوله الدكتور، ابتلع لعابه وأخفض رأسه بخزي متمتمًا "آسف يا دكتور ما كنتش واخد بالي."
"طب اقعد وخد بالك،" أشار له الدكتور بالجلوس لكنه لم ينتبه وأكمل بحثه بعينيه عنهم، ما المشكلة؟ هل هناك شيئًا قد حدث وهو لا يعرفه؟
اخرج هاتفه وبعث برسالة لأحمد، لكن لم يأتيه ردًا، فكان الخيار التالي أمامه أدهم، الذي وجد هاتفه مغلقًا بالفعل! وعندما كان على وشك الاتصال بقيس وجد الدكتور يصيح "اطلع برا يا هشام." فرفع رأسه بأعين متوسعة وحمحم منظفًا حلقه وهو يعدل من نظارته ثم نهض يلملم حاجياته وخرج.
في مكانٍ آخر كانت داليا قد استيقظت اليوم على مكالمة من صديقتها، تخبرها فيها بأن طليقها قد زُف بالأمس! لم تهتم بأنه قد تزوج بقدر اهتمامها بأنه يعيش حياته بصورة طبيعية بعد أن دمرها، لقد قتلها داخليًا في حين أنه يحيى بسعادة! لكنها لوهلة شعرت بأنها تجعله ينتصر عليها باستسلامها في كل شيء، حتى بالتخلي عن مستقبلها الدراسي!
لأول مرة منذ الأربعة أشهر تقفز عن السرير بذلك التصميم لتلملم كتبها ومذكراتها وأقلامها، هي يجب أن تجعله يعرف بأنه لم ينجح بكسرها، لن تظهر بذلك الضعف أمامه فهو لا يستحق أن يراها هكذا، ولا يجب أن يراها من جديد إلا بثوب التخرج وابتسامة واسعة تعلو وجهها، فأقوى هزيمة لعدوك هي أن يراك مبتسمًا.
المذاكرة قبل إسبوعين فقط من الامتحانات؟ هذا بالنسبة لها وقتًا كافيا لتخرجها بتقديرٍ حتى؛ فهناك شيئان لامعان  في شخصية داليا، اللا مبالاة القاتلة والإنجاز بسرعة وبأقل جهد.
خرج أدهم من المرحاض وجلس بجانب قيس على السرير، كلاهما يعرفان بأن الامتحانات قريبة جدًا وبأنه يجب عليهما المذاكرة، لكن كلاهما يكره المذاكرة كفاية لكي لا يفتحا الموضوع حتى، وعلى العكس وجد أدهم يتحدث
"أنت مش قولت هتصيعني؟"
حك قيس ذقنه النامية وأومأ فأردف الآخر "طب ما تيلا!"
"عايز تعمل إيه صايع؟ كان نفسي أوجب معاك بحاجة تظبط دماغك بس ماليش لا في كحول ولا سجاير ولا أي حاجة من دي وما أحبش إنك تشربهم، الحاجات دي بتضر الجسم وبتطير العقل."
"ثواني، يعني دماغك دي طبيعي أصلا ومش ضاربة من البانجو؟!"
زم قيس شفتيه وقلب عينيه وهو يحاول عدم الضحك أثناء إشاحته بوجهه بعيدًا ..
"ده أحنا كلنا مفكرينك بتضرب بانجو أو بتشم كولة! لدرجة الواد أحمد قبل كده قالنا: معلش ما هو البانجو بيعمل كده."
"يا ابني أنت عمرك شوفتني دخنت! لو حد مرجح إنه يشرب حاجة فالواد أحمد أول واحد ممكن يعملها مش أنا، أنا صايع في حتة تانية بعيدًا عن المخدرات والخمرة."
"طب ما تجيب بنات،" قال أدهم فرمقه قيس بضحكة يحاول كتمها بصعوبة "بنات؟ لا أنا مابعرفش بنات، أنا بعرف نسوان."
"طب هات نسوان، مش مهم."
"ما للأسف النسوان اللي أنا بعرفهم مش هيعجبوك، مش نوعك، دول نسوان بلدي، خليك في النسوان اللي معاك."
"قصدك سارة؟"
"هي أينعم مش نسوان أوي بس عادي أهو أي حاجة وخلاص."
"لا سارة محترمة .." قال ثم طأطأ رأسه وأكمل ببؤس "وأنا كمان محترم مش بتاع نسوان ولا بنات، أنا بوء أساسا."
"والله أنا عارف إنك بوء بس سايبك تعيش شوية، يعني هو أنا كنت هجيب نسوان فعلا ولا ده منظر نسوانجي؟ ده أنت شبه العيال اللي بيروحوا يتطوعوا في الجمعيات الخيرية."
ضحك وهو يهز رأسه بأجل لكنه سخر "أنا مش عايز أزفرلك شقة الزوجية بس."
"لا هي متزفرة جاهزة، لدرجة أني بفكر أبيعها وأشتري شقة في مكان تاني، مش عايز أجيب ليلى هنا خالص."
"أوعى تكون لسه بتلعب بديلك؟"
زم قيس شفتيه بابتسامة خافتة ونفى برأسه ثم أجاب بهدوء وبصدق "لا، خالص والله، من ساعة ما قابلتها وأنا نويت إني أطلع برا كل القرف ده وأفتح معاها صفحة جديدة .. وندمان على كل اللي عملته واللي موصلني دلوقتي إن عقلي يكون زبالة معاها، لو ماكنتش عملت أي حاجة ماكنتش هبقى بضايقها دلوقتي .. بس أنا مش ببقى قاصد فاهمني؟"
أومأ أدهم بتفهم "بس لم نفسك."
"ما أنا بحاول، بس هي خنيقة أوي برضه، كل حاجة حرام حرام حرام ... ده أنا بقولها لون شعرك إيه؟ ألاقيها باعتالي هشام يهددني،" تذمر وقبل أن يضيف كلمة أخرى سمعوا صوت طرقًا على الباب فنهض قيس ليفتح وأصطدم بهشام يدخل بضيق
"أنتوا مختفيين فين وماحدش فيكم بيرد ليه؟ أبوك قالي إنك هنا، ماشوفتش أدهم وأحمد؟"
ترجل للداخل قبل أن يسمع رد قيس فوجد أدهم هناك، قطب جبينه ونظر حوله باحثًا عن أحمد لكنه لم يجده وسرعان ما أدرك أن ثلاثتهم هنا وأحمد هو المختفي، وهذا أقلق أكثر شيء أدهم الذي حك عنقه وأخفض رأسه بتوتر، هل أحمد ما زال غاضبًا منه؟
دخلت والدة مراد ليلًا إلى غرفته بدون الطرق عليها لتجد الآخر يتمدد على سريره ويعبث بحاسوبه الذي يعمل عليه ليلًا ونهارًا حتى وهو في أجازته، ثم سألته بقلق "مراد، هو أخوك ما اتصلش بيك؟"
رفع زرقاوتيه لها ونفى برأسه "هو كل ده لسه ماجاش؟"
نفت برأسها وهي تبتلع لعابها بتوتر؛ فالساعة أصبحت تشير إلى الثانية عشرة ليلاً وهو لم يظهر منذ البارحة وهاتفه مغلق!
قطب مراد جبينه ونهض بضيق عن السرير يلتقط هاتفه ويحاول الاتصال به من جديد لكن هاتفه ما زال مغلقا، أعاد هاتفه إلى جيبه ونظر لأمه "ما قالش هو رايح فين حتى؟"
نفت برأسها من جديد فسأل عما إن كان أحمد قد فعل تلك الفعلة من قبل؟ بأن يختفي ليومان كاملان فنفت والدته الأمر، وهذا جعله يقلق أكثر ورفع يده يحك شعره وهو يفكر ماذا يفعل مع ذلك الفتى حقًا؟ فهو أخيه الكبير نعم لكن تصرفاته بالكامل خارجة عن السيطرة وباتت لا تعجبه، والدته طيبة وفشلت في السيطرة على أفعاله الهوجاء، أما والده فهو بالفعل لا يهتم بالتصدي له .. لكنه لن يمررها له مرور الكرام هذه المرة؛ فإن كان لا يوجد من يضعه عند حده فهو هنا الآن كأخيه الأكبر.
"طب روحي نامي يا ماما وأنا هتصرف كده، هدور على أصحابه أكيد هما عارفين هو فين،" قال وربت على كتفيها  فأخفضت رأسها بيأس وأومأت ثم تحركت للخارج لكنها جلست في الصالة على الكرسي أمام الباب وأسندت رأسها على خدها وعلقت عينيها على الباب وهي تدعو بداخلها أن يأتي، لكن الساعة تعدت الثالثة فجرًا وهي قد غفت في جلستها وأحمد لم يظهر بعد.
كان مراد في الشرفة ما زال يعلق عينيه على الشارع، يصك على فكيه بغضب وهو يتوعد أحمد بداخله؛ فحتى أصحابه لا يعرفون أين هو؟
وجد غادة تخرج إلى الشرفة، لكنه قلب عينيه ونظر للجهة الأخرى بسأم، بينما هي تفاجئت به يرتدي سترته لأول مرة، لكنها لاحظت الضيق على وجهه فأعطته نظرة مستحقرة وعادت إلى الداخل بسرعة كي لا يظن أنها تقف هنا لأجل جمال عيونه.
أخرج مراد هاتفه وفتح الواتساب ليبعث برسالة لرقم أخيه، أحتوت على الكثير من كلمات التهديد الممتزجة بالخوف؛ فهو قد بدأ يظن أن هناك شيئًا سيئًا قد حدث لأخيه والأسوأ هو أنه لا يعرف كيف يتصرف؟
في اليوم التالي وصل ثلاثتهم إلى الجامعة ولم يجدوه، وهنا بدأ الخوف يتسلل إليهم حقًا، خاصةً بعد مكالمة مراد لهشام وقيس بالأمس، اتصلوا بمراد ليعرفوا إن كان قد وجده لكنه نفى الأمر ..
استند قيس على سيارته بجبينٍ مقطوب بينما وقف هشام يعدل من نظارته ويبحث بعينيه يمينًا ويسارًا وأدهم يحاول الاتصال بهاتفه المغلق.
"أول مرة يعملها،" قال قيس فأومأ هشام بضيق بينما رفع أدهم عينيه وسأل بتردد "لا يكون جراله حاجة!" فزجره هشام وهو يضيف "لا إن شاء الله لا."
"طب بصوا، إحنا نسأل الناس اللي هو يعرفهم هنا، أحمد مصاحب الدفعة كلها أصلا .. أكيد حد منهم يعرف هو فين،" ضرب قيس على كتفيهما ثم تفرقوا جميعًا ليسألوا أكبر قدرٍ ممكن من زملائهم، لكن الأمر باء بالفشل وأصابتهم خيبة الأمل، وحينها لمعت أعين أدهم وقال بسرعة
"ممكن نكلم سلمى؟ بس مش معانا رقمها .. ممكن تكون عارفة."
طالعه قيس بدون فهم "سلمى مين؟"
"سلمى اللي هو مرتبط بيها، كان دايمًا بيحكيلي عنها هي تحديدًا دونًا عن باقي البنات اللي يعرفهم، قالي قبل كده إنه عايز يتجوزها،" أجاب أدهم ثم ضرب جبينه بيديه "بس مش معانا رقمها."
أخرج هشام هاتفه وابتسم بمكر "أكيد هنلاقي الأكاونت بتاعها عنده.".
لكن بعد البحث في حساب أحمد قد وجدوا سبعة عشرة فتاة تدعى سلمى وهنا وقف هشام وهو يزم شفتيه بغيظ "طبعًا كان لازم أتوقع، البيه بروح أمه عنده لستة كاملة باسم سلمى وأحنا مانعرفش اسمها سلمى إيه!"
"نقي أي واحدة عشوائية طيب، تعالوا نعمل حادي بادي،" قال أدهم لكن قيس رفض "لا يا ابني، افرض ماشي مع كذا واحدة اسمهم سلمى! كده هنبقى لبسناه في مشكلة."
أومأ إثنيهما وصمتوا جميعًا حتى اقتربت منهما دينا، زميلتهما في الدفعة، وتحديدًا تلك التي تشاجرا بسببها وكانت السبب في كل ما يحدث.
تجهم وجه قيس وحدجها بنظرة مغتاظة؛ فهو لن ينسى أبدًا خيانتها له تلك الخائنة التي استعملته كي تخرج معه ويدفع لها الحساب وكانت تطلب منه ما تشاء من هدايا، ثم يتفاجئ بها قد أرتبطت بشخصٍ آخر غيره!
"إزيكم يا شباب، هو أنتوا لقيتوا أحمد؟" تساءلت بنبرة قلقة لم يفهمها ثلاثتهم غير أن قيس أجاب بفظاظة "وأنتِ مالك؟"
"عادي يعني بسأل!" أضافت فنفى أدهم وتبعه هشام "مش لاقيينه، أنتِ ماتعرفيش حاجة عنه يا دينا؟ ماكلمكيش؟"
ابتلعت لعابها ونفت برأسها وفوجئت بقيس يتكلم بطريقة هجومية وأعين ضيقة متشككة "ما قولتيليش، أنتِ مالك وماله؟ هو حاول يكلمك ولا إيه؟"
"لا .."
"لا؟ ولما هو لا، مالك ومال أحمد؟" زمجر وأمسك بذراعها فجأة فحاولت الابتعاد عنه وهي تزمجر "سيبني يا قيس!"
"لما أعرف الأول مهتمة ليه؟ وده مش عشان جمال عيونك، قولي الحقيقة، هو حاول يكلمك؟"
"يا قيس ماحاولش يكلمني يا قيس، أنا اللي كنت عايزة وهو رفض واتخانقنا سوا وشتمته عشان أرد كرامتي ومن ساعتها حاسة بالذنب وكنت بدور عليه عشان أعتذرله، سيب إيدي!!" صاحت الفتاة في وجهه فترك يدها
"وبطل حركاتك دي، أنا قولتلك بحبك زي أخويا،" أضافت فضحك عاليا وسخر "أخوكِ؟ أنا مش هفكرك أنتِ عملتِ إيه لأن ده مايتعملش مع أخوات، واجري غوري يالا، أنا خطبت وهتجوز لعلمك، ست ستك ومش كلبة فلوس وخاينة زيك، ثم إن أنا محيتك من دماغي أصلًا وكنت بسأل عشان ما أحبش صاحبي يعمل كده، أما أنتِ اولعي بجاز عادي."
أعطته نظرة مغتاظة حاقدة وسخرت "ده الله يكون في عونها، أكيد أمها داعية عليها."
"ليه وأنتِ فاكراني بعاملها زيكم ولا إيه؟ أنتوا حبة أوباش كنت بمشي معاهم ولا يمكن كنت أفكر أتجوز واحدة مشيت معاها، أما هي فمحترمة، والمحترم بنحترمه،" قصف جبهتها ولم تستطع إيجاد شيئًا لترد به فتحركت بعيدًا.
حل الصمت عليهم من حديد حتى تحدث أدهم بفضول معتاد "هي البت دي نفضتلك ليه؟"
"كانت عايزاني أقعد أقولها كلام رومانسي ملزق بروح أمها، وأنا لا كنت بحبها ولا زفت عشان أقولها كلام رومانسي وأحب فيها، أنا كنت بحاول أشقطها مش أحبها!" أجاب ساخرًا بملامح مشمئزة وحينها وجد هشام يهدده
"والا، لو جربت تحب في أختي هضربك."
"يا عم اقعد يا عم، أختك دي لو قولتلها حاجة هتعيط، دي ربنا باعتهالي عشان تطلع عليا القديم والجديد."
قبل أن يهم هشام بالإجابة انتبهوا جميعًا للأربعة عساكر القادمين نحوهم، ينظرون لأدهم، وهو يعرف جيدًا من هم ولماذا هم هنا
"أستاذ أدهم، تعالى معانا،" قال أحدهم فوقف أدهم بجدية يسأل "جدي عايزني صح؟"
أومأ فابتسم أدهم ابتسامة جانبية، ولم يلبث أن باغتهم وهرول فجأة بكامل سرعته من أمامهم فلحقوا به وهو يصيح أثناء جريه "قولوله مش راجع، وربنا ما هرجع وقسمًا بالله ما هتجوز شيري."
كان الهروب منهم صعبًا بحق، لكنه فعلها وخرج من الجامعة بأكلمها ثم قفز في أول حافلة أمامه ووقف أربعتهم ينهجون وهم ينظرون إلى ظهر الحافلة بخوف.
بينما في مكانٍ آخر، في شقة قديمة ممتلئة بالتراب، كان أحمد يجلس في غرفة منفردة كانت تنتمي له في طفولته، نفس السرير الصغير والخزانة التي نقش عليها اسمه واسم أخيه بخطٍ طفولي داخل قلب مضحك الشكل.
كان متكورًا حول نفسه على ذلك السرير ويسند بظهره إلى الحائط وينظر بعينيه -الحمراء بالفعل- إلى اللا مكان، بدى كالغير واعي بما يدور حوله، وجهه لا يحمل أي تعبير، ولا حتى الحزن .. رفع يده ليضع السيجارة في فمه وأخذ منها نفسًا بطيئًا وأخرجه بهدوء، لم ينم منذ أكثر من يومان ونصف، ولم يذق الطعام، فقط دخن على الأقل خمسة عشر علبة سجائر.
تملك منه التعب وأغمض عينيه غصبًا عنه لكن سلمى ظهرت في عقله وأغرورقت عيناه من جديد بعد أن ضربه الألم في أطرافه حتى وصل إلى قلبه، فتح عينيه بسرعة وأخفض رأسه للأسفل مستسلمًا لكل ما يشعر به، عله يطهره قليلا مما قد فعل .. لكن مهما حدث فهو يعرف أن ذنب سلمى سيبقى متعلقًا في رقبته إلى أن يلحق بها، وعندها بالتأكيد ستخاصمه أمام الله وتأخذ حقها منه.
رمى بسيجارته بعيدًا وانفجر باكيًا من جديد ثم سقط على السرير وهو يضم ركبتيه إلى صدره، ولم يشعر إلا وهو يغفو على حالته تلك والدموع قد جفت على وجنتيه.
Admin
Admin