الفصل 38 - ثمانية وثلاثون - رواية أربعة في واحد

38- ثمانية وثلاثون

خلاص نزلته أهو 😂

وحشتوني بجد ووحشتني الكومنتات بتاعتكم اللي بقرأها وبتقتلني ضحك .. قولتلكم إني بحبك قبل كدا؟ ❤️😘

الفصل 38 - ثمانية وثلاثون - رواية أربعة في واحد

"قولتلكم حاسس إني ماسك حاجة طرية، حاسس إني متنيل ماسك حاجة طرية، منكم لله وديتونا في داهية،" أكمل قيس صراخه عليهم فصاح هشام عليه بالمقابل "وإحنا كنا نعرف منين يعني!"

"بالظبط! أنت ماعندكش خبرة، بس أنا خبرة وكان لازم تسمعوا كلامي، شككتوني في نفسي الله يخربيتكم،" صرخ قيس من جديد في حين صمت هشام ونظر نحو أحمد وتذمر محاولًا إلقاء اللوم عليه

"ما كنت تقول إن فيه حاجة طرية، لو كنت أنت قولت كنا إتأكدنا."

رمقه أحمد بطرف عينيه ونطق باندفاع "وأنا أعرف منين أنا كمان! أنا كنت ماسك رجلها!"

"أهو، يعني أنتوا الإتنين معاتيه، كان لازم تسمعوا كلامي!" صوب قيس سبابته في وجهيهما بينما وقف أدهم يشاهد لأن لا دخل له بتلك الغلطة، فلقد كان ينتظرهم في السيارة..

"طيب، ممكن نرجعها تاني بسرعة ونشوف دكتور مصطفى فين ونروح نخطفه؟" قال أدهم أخيرًا فحرك ثلاثتهم رؤوسهم نحوه ورمقوه بنظرة جعلته يبتلع لعابه ويصمت بعد أن عرف ردهم على خطته الغبية تلك

"إحنا كدا مش ساقطين بس، إحنا كدا ساقطين وهنتسجن،" تمتم هشام وهو يسند بظهره على الحائط بخيبة أمل

"لا، هتتسجنوا أنتوا التلاتة أنا جدي مش هيسيبني أتسجن، وبعدين أنا ماليش دعوة، أنتوا اللي خطفتوا الولية بالغلط،" تمتم أدهم فحركوا رؤوسهم نحوه ليرمقوه بنفس النظرة من جديد لكن أحمد تقدم منه بابتسامة صفراء ووضع يده على كتفه وقال بأكثر نبرة شامتة يمتلكها

"أنت نسيت دي مزرعة جد مين فينا؟"

قطب أدهم جبينه وجف حلقه فأكمل الآخر "ومراة دكتور مصطفى مخطوفة فيها."

أخذ قيس نفسًا عميقًا ونطق بضيق "أنا بقول ما دام كدا كدا إحنا لابسين في مصيبة، ما نتصل بدكتور مصطفى نساومه بمراته؟"

"ما هو هيبلغ البوليس كدا،" أضاف هشام بعد أن رفع رأسه فنفى قيس "لا ما إحنا نهدده لو بلغ إننا هنغتصبها."

"الله يخربيتك ويخربيت الاغتصاب، أنا زهقت منك لدرجة إني ممكن أقوم اغتصبها دلوقتي عشان تبطل تقترح عليا الإقتراح ده!" صرخ هشام بنفاد صبر وقد نفرت العروق في عنقه ويده من فرط عصبيته

"طب عندكم حل تاني؟" شبك قيس يديه أمام صدره وحرك عينيه عليهم واحدًا واحدًا منتظرًا أن يتكلموا لكنهم نظروا لبعضهم وصمتوا لأنهم لا يجدوا ما يقولونه

"يبقى خطتي هي اللي هتتنفذ، أنا هتصل بدكتور مصطفى أهدده وأقوله إننا طالبين فدية مقابل مراته وهو لما يعرف إن الفدية دي يا دوبك إنه ينجحنا هيوافق،" أكمل وأخرج هاتفه لكن أحمد سارع نحو والتقط الهاتف منه

"لا بلاش أنت، أنت بتعك الدنيا وأنت بتتكلم ومابتفكرش قبل ما تفتح بوقك، أنا اللي هكلمه."

"لا، أنت ني، أنا اللي هكلمه أنا عارف الأشكال دي كويس،" شد قيس الهاتف من جديد لكن أحمد أمسك بيده "قولتلك أنا اللي هكلمه، أنت بتحدف غباء من بوقك."

"ايوة أحمد هو اللي يكلمه،" وافق هشام ثم تلاه أدهم "أنا برضه بقول أحمد يكلمه أضمن يا قيس."

صك قيس على فكيه ثم نظر للهاتف ولأحمد وبعدها تخلى عن الهاتف ورفع يديه باستسلام ثم تحرك ليستند بظهره على الحائط وشبك يديه أمام صدره وكأنه ينتظر فشل أحمد في مهمته التي لا يعلم لماذا يشعر بأن لا أحد منهم الثلاثة سينجح بها سواه، ولا أحد سينجح بإخافة دكتور مصطفى كما كان هو سيفعل، لكن بما أنه إجماع فسيتركها لأحمد بصوته الرخيم الهادئ الذي لا يدل إطلاقًا على أي خطر ..

لن ينكر بأنه لو وقف هو وأحمد بجانب بعضهما فسيظن الناس أن أحمد هو الفتى الأسوأ، لكنه متأكد بأنهما إذا تكلما فسيدرك الناس من منهما الأسوأ حقًا.

اقترب أحمد منه بالهاتف ليفتح له الرمز السري فمد يده بملل ليمرر إصبعه على الشاشة وفتحها ثم تمتم "اتصل بالشريحة التانية عشان مش متسجلة باسمي."

أومأ أحمد ثم أخرج رقم دكتور مصطفى واتصل ثم وضعه على أذنه في وسط مراقبة وترقب من ثلاثتهم .. الساعة الآن الثامنة، بالتأكيد دكتور مصطفى مستيقظ.

استقبل دكتور مصطفى المكالمة وفورًا تحدث أحمد "ألو، دكتور مصطفى؟"

"أيوة مين معايا؟"

"إحنا خاطفين مراتك."

"والله؟"

"آه وربنا."

"طب خليها عندكم، سلام،" قال وأغلق المكالمة فنظروا للهاتف بصدمة ثم أعاد أحمد للاتصال به من جديد

"بقولك إحنا خاطفين مراتك ياعم أنت!"

"على فكرة قولها حركات العيال دي إحنا كبرنا عليها وإني مش هرجع البيت إلا لما هي تيجي تصالحني وتعتذر، زي ما طردتني من الشقة تيجي ترجعني."

"ياعم إحنا مالنا إحنا ومال مشاكلكم الأسرية! بنقولك خاطفينها!!!"

"بجد؟"

"قسمًا بالله خاطفينها! هو أنا هضحك عليك ليه؟"

"طب وعايزين إيه؟"

"عايزين فدية."

"فدية! دي طارداني من الشقة! لا خليها عندكم،" قال وأغلق الهاتف في وجه أحمد للمرة الثانية فسارع الآخر بالاتصال به للمرة الثالثة

"بقولك إيه يا عم أنت، أنت لو قفلت السكة في وشي تاني هنجيبك أنت كمان."

"طب عايزين كام؟ أنا مش هدفع أكتر من ألفين جنيه."

"ألفين جنيه!"

"موافق ولا تقتلوها؟"

"يا عم اديني فرصة أنا اللي أهددك! لا حول ولا قوة إلا بالله!!!!"

"يعني موافق على الألفين جنيه؟"

"ألفين جنيه إيه يا عم أنت! هو إحنا سرقنا العجلة بتاعتك!!!!"

"بص، أنا بقول بما إن الألفين جنيه مش عاجبينك يبقى تتوكل على الله وتقتلها."

أزال أحمد الهاتف ووضع يده عن السماعة ثم صاح "لا خدوا كلموه أنتوا يا جماعة ده رجل ماعندوش دم!"

ابتسم قيس بانتصار وتقدم ثم التقط الهاتف من يد أحمد ووضعه على أذنه ثم نطق بنبرة خشنة مهددة "اسمع يا رجل يا ابن ال... أنت، أنت لو قفلت السكة قسمًا بالله لهكون ... ، مراتك معانا وأنت عارف إحنا ممكن نعمل فيها إيه، فاركز كدا وأنت بتتكلم عشان ما أطلعش ميتين أهلك."

صمت مصطفى على الجهة الأخرى بعد أن بدأ يشعر بأن الأمر جديًا فأكمل قيس "أنا مش عايز أقولك إحنا ممكن نعمل إيه في مراتك وسمعتك وسمعة بنتك هتبقى عاملة إزاي."

"أنا هبلغ البوليس،" نطق مصطفى بنبرة مهزوزة هذه المرة فضحك قيس وأضاف بأكثر نبرة شريرة يمتلكها "جرب، عشان تلاقي فيديو منشور لمراتك في نفس الساعة .. مش هتعرف لا أنت ولا بنتك توروا الناس وشكم بعد اللي هيحصل."

كان قيس قد بدأ يسمع صوت تنفس مصطفى السريع من الجهة الأخرى ثم جائته جملة مصطفى البطيئة "عايز كام؟"

"مش عايز فلوس."

"اومال عايز إيه؟"

"عارف آخر دفعة ميكانيكا اللي أنت بتديلهم مادة المحركات السنة دي؟"

"مالهم؟"

"ينجحوا كلهم، مافيش ولا واحد منهم يسقط."

"يعني إيه ينجحوا كلهم! وافرض ساقطين! أنت عايزني أخالف ضميري!" أجابه مصطفى باندفاع

"ضميرك؟ هو أنت أساسًا عندك ضمير؟ أول مرة أسمع إن عندك ضمير، ده أنت بتسقط نص الدفعة كل سنة!"

"أنا مش هنجح حد، وإيه رأيك إني هسقطهم كلهم."

"طب قسمًا بالله لو ده حصل فعلًا مش هنغتصب مراتك، هنغتصبك أنت، وهنصورك ونفضحك في كل حتة، واللي يخلينا قدرنا نجيب مراتك مش هيخليها صعبة إننا نجيبك أنت."

ضحك أدهم رغمًا عنه لكنه خبئ فمه بيده بسرعة عندما رمقوه بنظرة متوعدة

"مراتك معانا لحد النتيجة، ولو حصل عكس اللي أنا قولته بعد النتيجة ما تظهر فأنت اللي هتبقى مكانها،" أردف قيس ثم أغلق الهاتف في وجهه قبل أن يرد الآخر

"جدع ياض يا قيس،" اقترب هشام وربت على ظهره لأول مرة، هذه أول مرة يثني هشام على شيءٍ قد فعله! وهذا جعله يبتسم رغمًا عنه

"هو إحنا هنسيب الست دي هنا لحد النتيجة فعلًا؟" تساءل أدهم فرفع قيس كتفيه "مافيش حل تاني."

"ومين هيقعد معاها؟" استفهم مرة أخرى فنظر له ثلاثتهم بندرة يعرفها جيدًا مما جعله يصرخ "لا .. لا!!! مش هقعد أنا هنا لحد النتيجة!"

"ما هي دي مزرعة جدك، يعني أنت أكتر واحد مش مشكوك فيك إنك تقعد هنا، زائد لو اتصلت بجدك وقولتله إنك بتغير جو في العزبة مش هيقول حاجة لأنه عارف مكانك!" حاول هشام إقناعه لكن الآخر صمم "لا، مش هقعد لوحدي."

"أنا مش هقدر أبات برا المدة دي كلها، أمي أصلًا بتشك في صوابع رجلي وأخويا رايح يتقدم للبت اللي قدامنا بكرة،" تنهد أحمد فرافقه هشام "وأبويا عمره ما هيسيبني، زائد إن عندي شغل ولو اختفينا كلنا مرة واحدة إحنا أول ناس هيتشك فيها!"

"أدهم، أنا المفروض أنا وليلى ننزل نجيب العفش وكدا عشان نجهز الشقة،" أضاف قيس ليتركوه محصورًا في زاوية لا يستطيع الخروج منها.

"يعني أنا اللي هتنيل اتحبس هنا لوحدي ولو حصل حاجة أنا اللي هتمسك لوحدي!" قال بحاجبين مقطوبين فنفى أحمد برأسه "يا ابني هما هيعرفوا طريقك منين بس!"

"والله مش عارف، ما يمكن يجيبوا العنوان من المكالمة اللي كلمتهاله! ساعتها أنا هألبس فيها لوحدي!"

"تلبس لوحدك؟ طب قسمًا برب العزة إني متأكد إنك هتعترف علينا من أول قلم لو اتمسكت،" سخر قيس وهو يقلب عينيه

"آه على فكرة والله لأعترف عليكم واحد واحد، ما أنا مش هألبسها لوحدي!"

"أدهم، لو حصل حاجة اعترف علينا، تمام؟ بس فعلًا ما حدش هيعرف يقعد هنا المدة دي غيرك، أنا لو بت برا أكتر من يومين أمي هتفكرني أتجوزت عرفي!" حاول أحمد إقناعه وبدا الآخر وكأنه قد بدأ يلين قليلًا

" بس واحد منكم يجيلي كل يومين ويجيبلي شيبسي والحاجات اللي بحبها،" رفع سبابته فقلب قيس عينيه "يا ابني ما فيه فاكهة وحاجات طبيعية هنا! ما تطفح منها."

"قولتلكم واحد منكم ييجي ويجيبلي معاه شيبسي وبيبسي وحلويات وشاورما سوري،" صمم وشبك يديه أمام صدره وأعطاهم نظرة متحدية ليعلمهم بأنه لن يتراجع عن قراره مهما حدث

"خلاص تمام، موافقين،" وافق أحمد بالنيابة عن الإثنان الآخران فأخذ أدهم نفسًا عميقًا وتمتم ماشي.

ركب ثلاثتهم سيارة قيس ووقف أدهم بجانب السيارة ينظر لهم بتوتر فأخرج أحمد رأسه من النافذة وصاح عليه عندما بدأ قيس يحرك سيارته "هتصل بيك كل شوية، ما تقلقش .. اعمل زي ما إحنا قولنالك بس ولو فيه حاجة اتصل بأي حد فينا، هنجيلك كل يومين."

هز رأسه بحسنًا وراقب السيارة حتى خرجت من مجال بصره بالكامل، وقف ينظر إلى الأرض بضيق وشعر بغضبٍ دفين يجتاحه، ما دخله هو بكل هذا؟ لقد كان يريد فقط رؤية العراك القائم بين أحمد وقيس وهشام، ليجد نفسه منغمسًا في جريمة مثل تلك!

أوقظه وقوف الخادمة خلفه "سي أدهم، مش هتفطر؟"

استدار لها لكنه أصطدم بفتاة في العشرون على أقصى تقدير، نظر لها باستغراب واستفهم "أنتِ مين؟ وفين دادة حُسنى؟"

"هي تعبانة وأنا هنا بدالها، أنا بنتها، لو عوزت أي حاجة نادي قول يا أميرة بس،" أجابت الفتاة وهي تسحب الشال الأزرق الذي يغطي شعرها بعد أن أزاحه الهواء قليلًا وظهرت خصلاتها الشقراء من خلفه

قطب جبينه وعلق عينيه على وجها قبل أن يقلب عينيه بضيق وكأنه لا يستحسن الأمر برمته ثم تركها وترجل للداخل وهو يهمهم "باينها أيام سودا."

في حين وقفت الفتاة تعلق عينيها الخضراء على ظهره من الخلف غير فاهمةً لتصرفه ذلك ولا تعرف ما الذي قالته هي ولم يستحسنه؟

لكنها لم تمنع نفسها من اللحاق به وهي تصيح بلكنة فلاحي غير واضحة تدل على أنها تحاول التحدث بلكنة أهل المدن "يا سي أدهم، مش هتفطر؟"

استدار لها الآخر عندما كان على عتبة المنزل وصاح "مش هتنيل، سيبيني دلوقتي، لو عوزت حاجة هنادي عليكِ."

أخفضت رأسها بحزن وأومأت وكان سيتحرك لكنه استدار لها مرة اخرى وضيق عينيه "هو أنتِ بتباتي فين يا أميرة؟"

"هنا يا سي أدهم، عشان أنا اللي بنضف البيت وباخد بالي منه،" همست دون رفع عينيها فاستدار مكملًا طريقه نحو الداخل وهو يهمهم "هي أيام سودا أنا عارف."

ليتركها واقفةً تنظر إلى ظهره باستغراب من جديد، ما باله لا يطيق النظر في وجهها هكذا؟ هي ليست قبيحة لذلك الحد! فهي شقراء وذات أعين خضراء فاتحة اللون، وبشرة تكتسيها الحمرة من الشمس!

رفعت كتفيها وتحركت نحو المزرعة لتنتقي بعض الخضروات، ثم توجهت نحو عشة الدجاج وأمسكت بدجاجة، كي تعود بسرعة نحو البيت لتجهيز الغداء له، فإن كان لن يفطر فهو بالتأكيد سيجوع قريبًا وسيطلب الطعام.

بينما في مكانٍ آخر استيقظت داليا التي نامت رغمًا عنها بالبارحة، وشعرت فورًا بالفضول يتملكها لتعرف ما الذي فعله الشباب بشأن خطف الدكتور؟ وهذا جعلها تلتقط هاتفها بسرعة مقررةً الاتصال بأدهم، لكنها اصطدمت برسالة أحمد التي لم تفتحها، كانت تتوقع أن يعتذر، وهي قد هدأت وشعرت بأنها في حالة جيدة تسمح لها بالرد عليه ..

ولجت لها، لكن لسانها انعقد وهي تمرر عينيها على حروفها  [أنا بحبك.]

فتحت فمها بصدمة وعادت بعينيها نحو الشاشة مجددًا وكأنها تتأكد مما رأته، ما الذي يعنيه بهذا؟ يحبها؟ مثلما قال من قبل؟

إذًا ما شعرت به لم يكن خيالًا كما تصورت؟ لقد كانت تشعر بالفعل بأن هناك شيئًا ما غريبًا في تصرفاته معها لكن يأسها من كل شيء قد جعلها تنكر أن ما تشعر به صحيحًا، حتى باتت تصدق بأن أحمد لا يعني أي شيء بتصرفاته تلك وبأنه فقط يحاول أن يكون لطيفًا معها ..

قرأت الرسالة مرارًا وتكرارًا ونبض قلبها بقوة، لكنها سرعان ما تذكرت وضعها وتذكرت جدة أدهم التي تشاجرت معها لكي تبتعد عن حفيدها .. ونظرة الناس لها .. ثم طغى الحزن على وجهها .. ربما لم يقصد أحمد ذلك النوع من الحب؟

ربما كان يصالحها فقط لأنه كان سيئًا معها بالأمس؟

لكن ماذا لو يقصد الشيء الآخر؟

لقد باتت تشعر بأنها لا تستحق حتى أن تُحَب، أو بأنها ليست جيدة كفاية لكي يأخذ أحدهم هذه الخطوة معها برغم أنها جميلة ومن أسرة جيدة ومتعلمة وكشخص فهي شخص مسالم هادئ يسهل التعامل معه، وكأنها كالفستان الفاخر المعروض في فاترينة، الجميع يتوقفون عنده ويعجبون به، لكنهم لن يشتروه أبدًا وسيظل الفستان معروضًا في الفاترينة.

وربما كان هذا الإحساس هو السبب الخفي وراء فهمها لتصرفات أحمد بطريقة خاطئة ... لم تكن تتوقع أنه يمكن أن يحبها بالأساس، ولم تكن تريد التعلق بهذا الأمر ..

لم تكن غبية، هي فقط تشعر بأن لا أحد سيحبها، وبالتالي أي شعور شعرت به تجاه أحمد فسرته بأنها من فهمت الأمر بطريقة خاطئة وبأن أحمد لم ولن يقصد ما فهمته وأنه فقط يمازحها.

تربعت على السرير وهي تحملق في هاتفها ثم دخلت إلى صفحته الشخصية وتفحصت صوره بابتسامة خافتة، يحبها؟ حقًا!

لم تستطع عدم الشعور بالفرحة، كان الأمر خارج سيطرتها، فقط شعورها بأنها ما زالت تستحق أن يحبها أحدهم قد جعل شعورًا بالراحة يغمرها.

لكن هذا الشعور سرعان ما تبدد ووضعت الهاتف جانبًا عندما تذكرت من هو أحمد؟ إنه الفتى السيئ زير النساء اللعوب الذي أخبرها بلسانه بأنه خائن وذو أعين زائغة!

ابتلعت لعابها وتذكرت كلامه بشأن سلمى وأنه قد تغير ولا يريد العودة لذلك الطريق مجددًا .. وهي ليست غبية لكي لا تلاحظ صدقه من كذبه؛ فلقد كان أحمد صادقًا معها في المرتين، عندما أخبرها بأنه خائن وعندما أخبرها بأنه قد توقف ..

هو قد تغير فعلًا هي بإمكانها الشعور بهذا، ورغم الراحة التي سببها ذلك الشعور فإن سرعان ما تملك منها ضيق ورهبة شديدين عندما تذكرت ما الذي سيقوده هذا الحب؟ بالطبع سيقود إلى .. زواج!

بدأ تنفسها يعلو وسيطرت رجفة على يدها وجسدها بعد أن شعرت بالبرودة تسري في خلاياها .. حاولت السيطرة على نفسها وإخراج تلك الفكرة من عقلها لكنها لم تستطع إخراج الأمر من تفكيرها ..

تشوشت رؤيتها وشعرت بحجرٍ يوضع على قلبها فلم تعد تستطع التنفس بصورة طبيعية، أصابتها نوبة هلع معتادة وانتهى بها الأمر متكورة على نفسها وتبكي حتى هدأت وسقطت نائمة في مكانها على السرير وهي تحتضن ركبتيها إلى صدرها وكأنها تخبئ نفسها عن العالم بأكمله.

ولو رآها أحدهم في تلك اللحظة لأشفق عليها، وشعر بأن برودها الخارجي ما هو إلا غطاء وهمي لوضعها المزري، بدت ضعيفة، هشة، وسهلة الكسر، لكنها أيضًا بدت وكأنها في حاجة لحضنٍ يضمها ويربت على رأسها بأن كل شيء سيكون بخير، وبأن هذه مرحلة وستمضي، لأن عقلها لا ينفك يذكرها بكل شيء، كلما حاولت تخطي الأمر يبدأ عقلها بإعادة كل شيء وكأنه حقيقة تُعرض امام عينيها في الوقت الحالي ..

إذا ذُكر الزواج أمامها تذكرت اليوم حيث اعتدى طليقها عليها، إذا ذُكر الأطفال يرجع عقلها بذكريات ذلك اليوم الأغبر .. وكأنه يحذرها من خوض تلك التجربة مجددًا لأنه خائفًا من أن ينجرح ثانيةً.

داليا وبرغم صلابتها الخارجية لكنها كانت جبانة من الداخل، تخاف أن تتألم، تخاف أن تُجرَح، تخاف أن تشعر بالفقد أو الخذلان .. وللأسف لقد ذاقتهم جميعهم دفعة واحدة، حتى تحول خوفها لهلع.

حلمت بأحمد في الساعة التي نامتها، كان يبتسم لها .. وهي كانت سعيدة في تلك الرؤية، مد يده لها فحاولت التحرك لتمسك بيده لكنها شعرت بجسدها متصلب ولا تستطيع الحراك، ثم تبدلت ابتسامتها لخوف وحاولت تخليص نفسها بكل قوتها، وعندما نجحت كانت قد استيقظت من النوم.

فركت عينيها ونظرت لهاتفها من جديد، هي لم تجِبه حتى الآن ولا تعرف بماذا تجيبه بالأساس .. ستكذب لو قالت لا أحبك، وستكذب لو قالت أريدك، وستصيب الصدمة قلبها لو رفضته ثم وجدته مع أحداهن.

الشعور بأنه ملكها الآن يسيطر عليها بطريقة قوية، وهي متملكة بشأن أشياءها كثيرًا .. خاصةً تلك الأشياء التي تمثل شيئاً جميلًا لها، وأحمد بدفئه معها كان جميلًا ..

لكنها ستكون ظالمة لو قررت أخذ سعادتها على حساب سعادته، لأنها لا تناسبه .. بل لا تناسب أي رجلٍ بالأساس وليس فقط أحمد.

كانت تتمنى في تلك اللحظة لو كانت قد قابلته قبل أن يحدث كل هذا، وقبل أن يتشوه قلبها فلا يعود صالحًا للاستخدام.

وضعت الهاتف جانبًا وهي تبتلع غصة قد توقفت في حلقها، هي لن تجيبه برسالة، يجب أن يتقابلا، يجب أن يرى ملامح وجهها؛ لأنها لو أجابته برسالة ستكون خاوية وسيظن أنها لا تهتم لأمره ولا تريده لأنها لا تحبه بالمقابل، وهذا ليس بالصحيح.

هي تشعر بشيءٍ تجاه أحمد، وإنكارها لذلك لن يفيد بشيء، لكن قبولها بالأمر مستحيل.

كان أحمد قد وصل إلى منزله ودخل إلى غرفته ثم ألقى بجسده على السرير بتعب، لقد كان يومًا شاقًا .. سرعان ما تذكر أمر الرسالة فرفع جزعه قليلًا وسحب هاتفه من جيب بنطاله الخلفي وفتحه، كان ينتظر على أحر من الجمر كي يلج إلى غرفة محادثتهما ويرى ماذا قالت .. لكن كل ذلك قد تحول إلى عدم فهم عندما رأى العلامتان الزرقاوان تحت رسالته مما يعني أنها قد رأتها، لكن وبالرغم من ذلك هي لم تكتب حرفًا!

ابتلع لعابه بصعوبة واعتدل في جلسته كي يستطيع التنفس بصورة جيدة لأنه فجأة شعر بانفاسه تُحتَبس، علق عينيه بفمٍ مزموم نحو الأسفل على كلمة (نشط الآن) التي تظهر أسفل اسمها .. إذًا هي نشطة الآن وقد قرأت رسالته منذ الساعتين ولم تقُل أي شيء؟ هذا هو الأمر؟

الغضب قد تملك منه وهو يحدق في كلمة (نشط الآن) منتظرًا منها أن تتحول في أي لحظة إلى (يكتب الآن) لكن مرت ربع ساعة وهذا لم يحدث، بل اغلقت داليا وتركته بمفرده مع أفكاره التي تصور له أسوأ شيء يمكن أن يحدث، لكنه ليس الشخص الذي ينتظر ويتوقع .. لم يكن هو أبدًا.

وهذا جعله يخرج رقمها ويتصل بها بتصميم، يجب أن يحصل على إجابة، وهو سيحصل على إجابة رغم أنفها.

استقبلت مكالمته بنبرة مبحوحة "أهلًا يا أحمد."

تجاهل ترحيبها به ونطق باندفاع "بعتلك رسالة؟"

"آه شوفتها."

"آه، ولما انتِ شوفتيها، ما ردتيش ليه؟"

"إحنا ممكن نتقابل النهاردة؟"

صمت وهدأ عندما طلبت منه هذا، لم يكن يتوقع شيئًا كهذا، ولن ينكر أن هذا جعل الأمل يعود له .. رؤيته لها ستجعله قادرًا على التأثير عليها بصورة أكبر من مجرد رسالة، فنظره لعينيها وإمساكه ليدها مع نبرته الحنونة قادرة على إذابتها وجعلها تخنع له، كان متأكدًا من هذا .. لم تقاومه أية فتاة من قبل حتى عندما كان يتلاعب بهن، والآن صدقه في مشاعره يُعتبر أقوى سلاح سيستخدمه معها.

"تمام، نتقابل النهاردة.".

كان أدهم يجلس أمام التلفاز في غرفة المعيشة التي تكونت من أريكتين وأربعة كراسي يلتفون حول منضدة من الرخام وأمامها تلفاز لا يشاهده حقًا، لكنه يفكر في ماذا سيحدث؟ لقد وضع المنديل المخدر على أنف زوجة دكتور مصطفى مرة أخرى وهذا يضمن أنها ستنام لعشرة ساعات أخريات سيتثنى له فيهم ان يهدأ قليلًا ..

ظهرت فجأة أميرة أمامه وهي تضع الصينية التي تحمل أعلاها الطعام "الغدا يا سي أدهم."

حرك عينيه للطاولة فوجد دجاجة مقلية وملوخية وأرز، كانت أكلته المفضلة!

اعتدل في جلسته مستعدًا للأكل وهمهم لها "شكرًا."

ابتسمت بتوسع لأنه حدثها بطريقة جيدة أخيرًا، وكانت ستتحرك بعيدًا لكنه أوقفها "أنتِ مابتدرسيش؟"

اختفت ابتسامتها واستدارت له "لا، ابويا خرجني من الإعدادية، قالي البت مسيرها لبيتها وجوزها."

"وأنتِ متجوزة على كدا؟"

نفت برأسها ورفعت يدها تخبئ طرف وجنتها بالشال وهي تنظر للأسفل، بينما رفع هو حاجبيه بدهشة، لماذا لم تتزوج؟ إنها جميلة بشدة! وبذكر ذلك فقد صفع نفسه داخليًا ووبخه نفسه، لأنه مؤخرًا بات ينتبه للفتيات أكثر من المعتاد ..

"ولا مخطوبة؟" سأل من جديد وهو يضع ملعقة من الارز في فمه

نفت برأسها مرة أخرى فاستفهم "ليه؟"

"أصل كل اللي اتقدمولي كانوا جاهلين، وأنا بعرف أقرأ وأكتب، آه والله."

ضحك ورفع إحدى حاجبيه "بجد؟ بتعرفي تقرئي وتكتبي؟!"

"وربنا المعبود بعرف أقرأ وأكتب ولو مش مصدق هات أي حاجة أقراهالك."

علت قهقهاته ونفى برأسه "لا خلاص مصدقك يا ستي.".

رحلت الفتاة بعد بعض الأحاديث التي خففت عنه وجعلته يتناسى الحمل الذي يحمله على أكتافه قليلًا، جيد أن قيس وأحمد لم ينتظرا معه؛ فلو فعلا بوجود تلك الأميرة ذات الأعين الخضراء هنا لكان الوضع غير مستحبًا وخصوصًا قيس الذي سيجذبه حتمًا اللكنة الفلاحي وهي تناديه ب"سي قيس." فهو من محبي الخادمات وهذا هو نوعه المفضل.

كانت الساعة السادسة مساءً عندما خرج أحمد من المرحاض بعد أن لف منشفة حول خصره، وتوجه نحو غرفته ثم وقف أمام المرآة ورفع يده يتحسس ذقنه، شعر بأنها طويلة قليلًا فالتقط مكنة الحلاقة ليشذبها، وبعد أن انتهى أخذ معطر جسده ووضع من القليل ثم توجه نحو خزانته ووقف أمامها يمرر عينيه على كل ثيابه، ثم مد يده وسحب بنطالٍ جينسي ثلجي ومعطف جلدي أسود وسترة بيضاء مخططة بالأسود.

وضعهم أمامه على السرير وشبك يديه أمام صدره العاري، هل هذا الطقم جيد؟ إنه يريد الظهور بمظهر رائع أمامها اليوم بحيث يجعل رفضها له صعبًا.

ارتادهم ووقف يتفحص هيئته في المرآة فوجد أنه لا بأس هكذا، توجه نحو المرآة ووضع القليل من دهان الشعر على شعره ومشطه بيده للخلف، لم يمشطه بالممشط لأنه يريده مخصلًا بطريقة عشوائية، ارتدى حذائه الرياضي الأبيض ثم ارتدى ساعته الفضية ورش بعض المعطر على ملابسه ثم التقط هاتفه وعلبة سجائره ومحفظته ووضعهم في جيبه الخلفي وخرج من الغرفة.

وجد أمه في وجهه والتي تسمرت أمامه ونظرت له من أعلى لأسفل بتفحص، ثم ارتسمت ابتسامة صفراء على وجهها ووضعت يديها في خصرها "على فين العزم إن شاء الله؟"

"ماما شكلي حلو كدا؟" أجابها بسؤال فسخرت "خلاص عرفت، يبقى أكيد رايح تقابل واحدة."

"يعني شكلي حلو؟ ولبسي تمام؟"

ضربته على كتفه وسخرت "آه يا روح أمك شكلك حلو، اعتبر نفسك شقطتها من دلوقتي، حسبي الله ونعم الوكيل."

ابتسم بتوسع وأمال عليها ليضع قبلة على وجنتها ثم هرول للخارج بثقة، بينما وقفت هي تنظر إلى باب الشقة بيأس، لن يتغير .. لن يتغير أبدًا.

ترجلت نحو غرفة مراد وطرقت عليها ثم دخلت فوجدته يغلق المكالمة التي معه بعد أن قال "طب سلام يا غادة دلوقتي."

اقتربت منه وفوحئ بها تحتضنه وتضع قبلة على جبهته "ربنا يكملك بعقلك يا حبيبي .. أنا مش عارفة بس هعمل إيه لما تسافر."

احتضنها بالمقابل وربت على ظهرها بحزن عندما تذكر أنه سيسافر قريبًا.

وصل أحمد إلى وجهته، لم يكف مقهى أو مطعم كالمعتاد، بل كان منكقة متطرفة أمام النيل وهي التي اختارتها بنفسها، لكنها لم تكن متواجدة لأنه بالتأكيد قد وصل قبلها، لكنه لم يلبث أن وجدها قد ظهرت أمامه وتقدمت منه بتباطئ فاعتدل في وقفته مستقبلًا إياها بابتسامة، في حين رمقته الأخرى من أعلى لأسفل ولعنته ولعنت نفسها، لأنه متأنق كثيرًا بينما هي قد التقطت أول بنطال جينسي أسود وسترة صوفية واسعة باللون الأحمر الداكن وأرتدتهما، حمدت الله لأنها مسحت حذائها الأسود ومشطت شعرها على الأقل.

وقفت أمامه فابتسم وقال بطريقة جدية "على فكرة بتوع الأرصاد دول كذابين."

قطبت جبينها بدون فهم فأكمل "قالوا الجو مغيم والقمر مش طالع النهاردة."

ابتسمت رغمًا عنها لكنها صفعت نفسها داخليًا وذكرت نفسها في عقلها "لا لا لا .. امسكي نفسك، مش هيضحك عليا بكلمتين."

قطبت جبينها ورسمت ملامح جدية مزيفة على وجهها لكنه لم يلبث أن تحدث من جديد "بعدين أنتِ جايبانا في المنطقة المقطوعة دي ليه؟ أنا قلقان منك، مش معنى إني قولت إني بحبك يبقى هتاخدي مني أي حاجة غصبًا عني، قلبي آه، جسمي لا."

أخفضت رأسها وقضمت شفتيها محاولةً عدم الضحك بصعوبة لكنها فشلت فضحكت وأشاحت بوجهها بعيدًا وهي تسبه في عقلها، ضحكت عاليًا ووضعت يدها على جبهتها أثناء هزها لرأسها بيأس، ماذا تفعل معه الآن؟!

"أحمد ممكن نتكلم جد شوية لو سمحت؟" قالت بنبرة ضاحكة فابتسم وأومأ لكنه سرعان ما نظر حوله وتذمر

"ده حتي مافيش مكان نقعد فيه ورجلي وجعتني وأنا رجل على باب الله لسه جاي من عملية خطف! أنتِ لو رفضتيني بعد كل ده هقتلك هنا وهتاوي جثتك في النيل."

ضحكت من جديد ثم صرخت عليه "ما تبس بقى!!!"

"خلاص هبس ماشي .." تمتم ضاحكًا ووضع يداه في جيبا بنطاله في حين لملمت هي خصلات شعرها خلف أذنيها وهي تحاول تهدئة نفسها واستعادة طريقتها الجدية

"منك لله نسيتني كنت جاية أقولك إيه!" ضربت بكفيها معًا

ضحك وقضم شفته السفلى، إنه ينجح .. إنه ينجح وهو يشعر بهذا، سيجعل أمر رفضه الآن أصعب قرار قد تتخذه فتاةٌ قط، سيُصعب الأمر على داليا كثيرًا بحيث لن يكون أمامها إلا خيارًا واحدًا.

اقترب منها ليدخل في دائرتها الشخصية فلفحها عطره، أمال بجسده لينظر إلى عينيها ورمش بأجفانه وهمس "اتفضلي قولي كنتِ عايزة تقوليلي إيه، مش ههزر تاني خلاص."

ارتفعت ضربات قلبها وتراجعت للخلف وهي تبتلع لعابها لتبلل حلقها الذي جف فجأة، لقد جعل الكلمات - اللاتي حضرتهن جيدًا- يهربن من عقلها، وتركها متوقفة العقل تحاول فقط تهدئة نفسها .. اللعنة عليه.

رفعت سبابتها في وجهه وقالت بجدية "ممكن ما تقتحمش دايرتي الشخصية عشان بتوترني؟"

استقام ونظر حولها "فين الدايرة اللي أنا اقتحمتها دي؟"

أشارت بيدها وشرحت له "يعني بص، بمسافة متر بعيد عني، دي دايرتي الشخصية، هي دايرة وهمية كدا حوالين كل واحد."

مد قدمه واقترب منها مجددًا وقال بطفولية "اللي أنا دخلتها دلوقتي دي؟"

ضحكت وابتعدت عنه ثم تذمرت "أحمد!"

"خلاص تمام، مش هقتحمها، أنتِ بتحسسيني إني اقتحمت خط برليف!"

"بص من الآخر كدا أنا كنت عايزة أقولك إني .." بدأت بالكلام لكنه قاطعها "هترفضيني؟ باينة أوي على فكرة، جاية شكلك يقطع الخميرة من البيت ومكشرة ومش عايزة تضحكي وشكلك معيط كمان، عينك وارمة أهي، بس كنتِ بتعيطي ليه؟"

توقفت الكلمات في حلقها وصمتت وأخفضت رأسها لتهرب من عينيه فابتسم ابتسامة حزينة وتساءل بنبرة منخفضة دافئة "كنتِ بتعيطي ليه يا داليا؟"

"عشان .. عشان .. " بدأت بالتئتئة فاومأ معطيًا إياها نظرة مشجعة لكي تتكلم فأكملت "عشان ماكنتش عايزة أرفضك."

"طب وهترفضيني ليه ما دام مش عايزة؟" همس وهو يقترب منها

"فاكر لما سألتك أنت عايز مني إيه وأنت قولتلي: مش عايز حاجة؟" قالت فأغمض عينيه بضيق ونظر أرضًا، كان يعرف ما الذي ستقوله الآن لأنه يتذكر جيدًا

"ساعتها قولتلك: أنا ماعنديش حاجة أقدر أقدمهالك بالفعل."

"بس ده كان زمان! والوضع دلوقتي مختلف، صح؟" نطق باندفاع

أخفضت رأسها ورأى الدموع تسقط من عينيها فرفع يده ليمسك بذقنها ويرفع وجهها ليواجه عينيها الدامعة وهمس "ممكن تكوني لسه ما حبتينيش، بس أنا متأكد إنك حاسة بحاجة ناحيتي."

"حتى لو كنت بحبك، أنا مش هقدر أديك أكتر من كدا،" تمتمت وهي تشيح بوجهها بعيدًا فوقف هو ينظر لها ويحاول فهم ما الذي تعنيه بكلامها هذا؟ حتى لو كانت تحبه فهي لن تستطيع إعطائه أكثر من هذا؟

"مش عايز أكتر من إنك تحبيني يا داليا .." همس فتحركت بعينيها لتنظر له وسخرت وهي تمسح عينيها بظهر يدها

"كداب، هتعوز أكتر من كدا وأنا مش هقدر أديك اللي أنت هتعوزه وساعتها هتكرهني."

شبه بدأ يفهم الآن ما الذي ترمي هي إليه لكنه استفهم ليتأكد "قصدك إيه؟"

مسحت عينيها من الدموع من جديد واستجمعت كل قوتها لتنطق بثبات وبوضوح وهي تنظر في عينيه "يعني أنا مش هقدر أكون معاك زوجة طبيعية، أنا بعد اللي حصلي وأنا بيجيلي نوبة هلع، فهمت كدا ولا الموضوع مش واضح؟"

زم شفتيه ولم يعرف ما الذي يقوله؛ فنعم هو قد فهم الآن لماذا لا.

"فهمت أيوة .. فهمت يا داليا،" أجاب وهو يهز رأسه دون النظر لها

لكنه رفع رأسه لها بعد قليل وتقدم منها "بس .. بس ممكن تروحي لدكتورة نفسية أو نسا أو أي حاجة وأنا هكون معاكِ، هنعدي الموضوع سوا وكل شيء هيتحل إن شاء الله و.." قاطعته "لا، مش رايحة ومش عايزة .. مش عايزة أي حاجة تفكرني باليوم اللي أنا بحاول أنساه."

"مش عايزة تبقي معايا؟!"

"مش عايزة أفتكر، كل ما رجل بيقرب مني بفتكر، وأنا مش عايزة أفتكر يا أحمد."

ابتلعت لعابها وأكملت ببؤس "أنا مش هينفع أظلمك معايا."

أومأ وهو ما زال ينظر إلى الأرض، لكنه رفع عينيه وفوجئت به يضحك .. كانت ضحكة حزينة، وألحقها بتهكمه "تخيلي جملة (مش هينفع أظلمك معايا) دي، كانت أكتر جملة بقولها للبنات!"

توقفت عن البكاء ونظرت له بدون فهم فأكمل وقد ظهرت نبرة صوته مرتعشة "أنا في حياتي دي كلها حبيت أتنين، أنتِ وسلمى."

"سلمى ماتت .. بسببي."

"بس بسببها أنا كنت قررت إني أبطل كل القرف اللي أنا فيه .. كان كل ما الشيطان يلعب في دماغي بتظهر قدامي وبقول: لا، عشان سلمى."

"وقربت منك عشان كنت عارف إني بعد اللي حصل ده مش هعمل حاجة تجرحك .. بس تخيلي إن أنا دلوقتي اللي مجروح؟"

ابتلعت لعابها وأخفضت رأسها أرضًا لكنه أكمل "بس أنا مش متضايق لا .. أظن أنا كدا خدت عقابي .. سلمى تموت، وأنتِ .. أنتِ ترفضيني .. أصل كان لازم ده يحصل، فاهمة؟"

لم تجبه فابتلع لعابه ورفع رأسه وهو يرسم ابتسامة مزيفة على وجهه "تمام يا داليا، أنا هختفي من حياتك تمامًا."

"بس قبل ما أمشي حابب أقولك حاجة، اللي أنتِ بتعمليه في نفسك ده غلط، أنتِ بتعاقبي نفسك على حاجة أنتِ ماعملتيهاش، ومش كل الرجالة زي الحيوان طليقك، ومش كلهم بيتعاملوا بنفس الإسلوب الهمجي العدواني، وإني كنت هعاملك بحنية وأنتِ عارفة إني كنت هحتويكِ وهكون حنين معاكِ."

ثم تركها واستدار ليرحل بينما هي قد توقفت تنظر إلى ظهره بأعين دامعة، فوجئت به يستدير ويقول "تعالي أوصلك لأحسن حد يطلع عليكِ في المنطقة المقطوعة دي ويعمل فيكِ حاجة ويتهموني فيكِ."

ضحكت من بين دموعها وتقدمت منه بصمت وهي تمسح عينيها فابتسم ومد يده لها بمنديل ثم سارا معًا بصمت.

وصلا إلى منزلها بعد نصف ساعة حيث كانت قد توقفت عن البكاء، توقفت ورفعت رأسها لها "شكرًا إنك وصلتني."

"مافيش مشاكل، سلام،" قال واستدار ليرحل لكنها أوقفه "تعرف.."

حرك رأسه لها وشبك يديه أمام صدره فأكملت "لو كنت عرفتك قبل كدا، أعتقد إني كان ممكن أحبك، أنت شخص لطيف يا أحمد."

ابتسم محاولًا تخبئة حزنه الذي يتغلغل بداخله الآن ثم أومأ "وأنتِ كمان شخص لطيف، بس أنا ملاحظ إن الدنيا دايمًا بتكون مش لطيفة مع الناس اللطيفة."

أومأت وتحركت لتدخل إلى بنايتها بينما أتخذ هو طريقه بعيدًا، ليس غاضبًا منها ولا يكرهها، إن حنقه وغضبه وكرهه الآن منصبًا على طليقها، يحقد عليه من قبل أن يراه حتى، ولا يستطيع تجاهل شعوره بالغيظ تجاهه، رغب لو يمسك به الآن ويحطم وجهه ليشوهه له كما شوه روح الفتاة التي يحبها وجعلها ترفضه.

كان أدهم قد تحرك نحو الغرفة السفلية للمنزل، والتي يحبسون فيها زوجة دكتور مصطفى، وعندما وصل وجدها ما زالت نائمة، وقف ينظر لها بندم، السيدة لا تستحق كل ما يحدث الآن!

فوجئ بهاتفه يرن فأخرجه بسرعة ووجدها سارة، لماذا تتصل به الآن؟ لم يتحدثا منذ آخر مرة عندما رفضه والدها!

استقبل المكالمة بتوتر وأعطى ظهره للسيدة "إزيك يا سارة؟"

وجدها تبكي عاليًا أثناء همسها "ماما أتخطفت يا أدهم وأنا مش عارفة أعمل إيه!"

"اهدي بس .. اتخطفت إزاي وعرفتوا منين؟"

"بابا قالي واتصلوا بيه وصحينا مالقيناش ماما في الشقة،" أجابت بشهيقٍ مكتوم ثم أكملت بنبرة حزينة "أنا آسفة إني بتصل بيك بس حاسة إني لوحدي ومالقيتش غيرك ممكن يساعدني، هو ممكن تكلم جدك عشان إحنا مش عارفين نطلب البوليس؟"

تجمدت الدماء في عروقه، يتصل بجده ليخبره بأن والدة سارة قد خُطفت ويطلب منه البحث عن الجناة، بينما السيدة تتواجد في مزرعته؟ تبدو ورغم غرابتها فكرة رائعة سبتعد عنهم كل الشبهات!

"لا طبعًا ما تقوليش كدا، أنا هتصل بيه وأشوف أنا أقدر أعمل إيه، بطلي بس عياط يا سارة وإن شاء الله نلاقيها."

فور انتهاءه من جملته سمع صوتًا أنثويًا من خلفه يهمس بتعب "أدهم؟ أنا فين ..!".

________________________________

متوقعين هيحصل إيه؟
Admin
Admin